«عائلة الحرب» أقاصيص لصلاح زنكنة
كتب قاسم ماضي: في زيارة إلى وطني الأم الذي غادرنا ولم نغادره مهما ابتعدنا عنه، ومهما جافانا ببعض تصرفات من أهله الطيبين، الذي أنهشته ُ الغربان التي لا تكل ولاتمل، وهي من الطيور الجارحة المعبأة بالدم، والقتل، والفقر، وكواتم الصوت التي لا تنتهي، دفنت الحياة هناك وغادرتها بعدما دفنت جثتين طاهرتين كانتا تصرخان بحبهما للوطن رغم عذاباته، وهما يشكلان محور حياتي القاسية التي مررت بها من أنظمة قاسية محبة للمال والسلطة، هما أمي وأبي، اللذان لم يستنشقا من هواء العراق سوى رماد الفقر والأمية على مدى سنوات حياتهما المعذبة والمجحفة.
المهم أجد ذاتي المعذبة في كلمات سطرها المبدع القاص صلاح زنكنة محبكة بطريقة غريبة كأنها سوالف جداتنا العريقات حينما يروين لنا بعض سوالف الماضي والحاضر بطريقة غريبة، حتى أننا ننام بين أحضانهن التي تربينا عليها، وبالتالي يعتقد القاص زنكنة وهو في طبخته الإبداعية ومن خلال مجموعته «عائلة الحرب» الصادرة لدى دار «ميزوبوتاميا» في 72 صفحة قطعاً وسطاً، يدخلنا بصور كأنها «صور من المعركة» ويؤلّفها فيزيائياً، ويدخلنا بتلك الآهات التي أوجعتنا ودمرت حياتنا التي مررنا بها، آلة الحرب التي أحرقت ودمرت كل شيء جميل.
هذه المناقشة المحتدمة بين ذاته والآخر المعذب من هذه الحروب، ونصوصهُ ناطقة وفيها من الدلالات والإيحاءات، وكما يقال «النص ينطق أحياناً فيسكتنا» وهو في هذه المجموعة يلفنا بدوامة سحر آسر، ومن المعروف عنه مساهمته في إثراء القصة، وفي أقاصيصه يكشف عن مأساة شعب، وهنا رسائله إدانة للموت والحروب والفواجع التي ألمت بنا وبمجتمعنا. نسج عبر آلية العزف على وحدة الموضوع ومفردات ذات موسيقى خاصة، حزناً على ما شاهده، والقصص تفصح عن أسى وتمزق وانتحار فردي وجمعي، والدليل الإهداء الذي يقول فيه للشهيد صلاح زنكنة: أنا الذي فر من الموت والتحق بالحياة، إثارة لقضايا معينة أو لنقل مواضيع عديدة يناقشها وهو يحمل «سكينته» في يده لكي يشرح أفكاره على طاولته الخاصة التي وضعها على صفحاته المضرجة بحروب دامية. الحرب سرقتنا من الأزقة، والشوارع، والبيوت، والحدائق، والمسارح، والمقاهي، والمدارس، والكليات، وحشرتنا في ساحات التدريب وأسمتنا جنوداً.
يقول عنه الكاتب والناقد صباح الأنباري: الصورة لدى زنكنة إذن مركبة من معان تعاكس الواقع وتتناقض مع الحياة، لتصب فيها وتتنافر مع المألوف لتتوحد فيه. إنها محاولة مستمرة، ودائبة للاقتراب من الأشياء والمواقف والظواهر التي يرفضها القاص جملة وتفصيلا، وهنا تدور في مخيلتنا عدة أسئلة في مجموعة «أقاصيص»، ومنها هل هو في مجموعته إعلاناً عن يأس! ومرور محروق بحرقة دائمة لزمنه الذي تشظى بفعل الموت والقنابل!
هنا تعج مأساته الكبيرة بألمه الذي لا يطاق! هذه الرسائل التي قصّها علينا وأدخلنا ثانية في أتون الحروب التي نغصت علينا كل شيء، ونحن في عز شبابنا الذي دفنته الحروب!
هنا أستعير هذه المقولة الرائعة «ومقضي عليً بأن يكون الحزن لوناً في مواويلي». هذا النشيج الذي يسري في حروفه الجميلة، لهو ضرب من ضروب المآسي العامة، يصاحبه نزف داخلي ملتهب في روحه التي لا تموت، فجاءت عناوين القصص التي وضعها في هذه المجموعة بمثابة إشعار للماضي وكذلك للحاضر، منها شهداء، قتلى منسيون، القنابل، المدفعية الثقيلة وغيرها، هذا البناء المتماسك للمضمون، والإشتغال على الإحساس العالي الذي تربى عليه منذ صباه أو بالأحرى منذ دخوله عالم المسرح الجميل.
يقول الذين سبقونا في كتابة القصة القصيرة إنها «لا تتعامل مع الانتصار» وهنا نؤكد ومن خلال أهم أساطين القصة القصيرة وأبرزهم مثل الكبير غي دي موباسان، باعتبارها فن الوحدة، والعزلة، لأنها صوت الفن المتمرد، وهي لا تستوجب عادة تعدد الشخوص أو الأزمنة أو الاماكن، كل ذلك وجدناه في هذه المجموعة عبر ابتكار «حسُه الشعري، وحسُه الدرامي» نجد تجربة جديدة في الفكر والتكنيك.
أصدر الأديب زنكنه المجاميع القصصية الآتية: «كائنات صغيرة» 1996 «صوب سماء الأحلام» 2002 ، «هذا الجندي هو أنا» 2001 ، «ثمة حلم ثمة حمى» 2002 ، «الصمت والصدى مختارات 2002 ، «كائنات الأحلام» مختارات 2002 .
«وإليك أرجع» شعراً لبيان محمود السيد
كتب ابراهيم الحميد: يقدم إلينا الشاعر بيان محمود السيد مجموعته الشعرية التي تحمل هموم الغربة وعتابه المستمر في معظم قصائده لذاته ولوطنه الذي لطالما تغزل به، مع شعوره المتكسر بين الندم المتصاعد والرضى الخجول، إذ يقول في إحدى قصائده: «والعين ما زالت تجول بفسحة الأرض البعيدة… والقريبة…». ونلاحظ الشاعر مصوّراً لنا ذلك الشخص الذي غادر وطنه باحثاً عما يرضي طموحه، وعن صور لا يريد رؤيتها تتساقط من قناعاته التي شكلت منه شاعراً يتحسس آلام وطنه وسلبياته، إذ يتمنى على الدوام رؤيته بأبهى صورة، وطناً راقياً معافى من أشكال الفساد يتباهى به ونراه لا يتردد في انتقاده حين يحاور ذاته ويلومها بأسئلته التي لا تنتهي، حين يقول: في البعد… يملأنا الوهن…/ في القرب… يملأنا الوهن/ ننأى… ليصبح كل حلم الكون أن ندنو/ وإذ ندنو… يصير الهم أن ننأى!.. فآه ألف آه… يا وطن».
يتكلم في إحدى قصائده عما يؤذي الوطن من عهر وكفر بكل مسمياته، يقدم صورة مليئة بالتحسّر على وطن صار نهباً للصوص وللغرباء، والدم الزكي أهدر، وكرامة الإنسان استبيحت يقول: «أريد أن أنأى قليلاً… عن جنون الراقصين… على بقايا موطني… وأعف عن كل النقاش… عن الجدال… عن النضال… عن الحياد… عن الجهاد وكل ما ألقى بلادي في أتون الثأر».
هكذا يصوّر لنا الشاعر بيان السيد معاناته، ليحمّل ذاته وجيله جزءاً من وجع الوطن إذ يقول: «اليوم أطفئ شمعة أولى لعام من رجوع ما به من ذكريات/ في شهور داكنات/ مر في عيني ومضاً… كارتداد الطرف/ عام يمر… وفي بلادي لا يزال العنف»
في قصائده يقدم بيان السيد صورة رائعة عن كل ما أصاب هذا الوطن الرائع سورية، محاولاً رسم مشهدية درامية لما يحدث على أرض الوطن، وراسماً صورة رائعة للرجوع: وإليك أرجع… حاملاً قلبي… وغرسة كرمتي/ لتكون كرماً في أديم قد عشقت من الأزل». الى أن ينتهي في آخر قصيدة له في كتابه: «فهناك ما تحت الدمار…/ بقاء أرض… لا تموت…/ ولا يغيّر طيبها… ما مر من مُرّ العبث…».
«الطواف حول البحر الإريتري»
أصدر مشروع «كلمة» كتاب «الطّواف حول البحر الإريثري» لمؤلف يوناني مجهول، ونقله إلى العربية الدكتور أحمد إيبش من سورية. والكتاب وضعه كاتب يوناني مجهول من القرن الأول للميلاد، إبّان غلبة الإمبراطوريّة الرّومانيّة على مسرح الحوادث في أوروبا والمشرق، وسيطرتها على التجارة العالميّة، وصراعها مع الدولة البارثيّة في الجناح القصيّ من الشرق الأدنى. ولم يكن مؤلّف عالماً الكتاب جغرافياً أو مؤرّخاً، ولم تكن له شهرة أغاثارخيدِس أو سترابو أو پلينيوس، ولا حتى وصل إلينا اسمه، بل كان مجرّد تاجر بحّار مغمور ترك وثيقة بالغة الأهمّيّة عن أوضاع التّجارة وبضائعها بين المشرق وأوروبا، وأتحفنا فوق ذلك بفوائد كبيرة حول أحوال الجزيرة العربيّة آنذاك. والمؤلّف الذي عاش في مصر هيلّيني العِرق واللغة، رومانيّ التّبعيّة، لذا تغلب على تسميات الأماكن في كلّ من مصر والقرن الأفريقي المسحة اليونانيّة، أمّا جزيرة العرب التي لم تدِن يوماً لسلطة الإغريق أو الرّومان، فبقيت أسماؤها الحِميَريّة والعربيّة على حالها. كما يتابع النّصّ بذكر أوضاع الهند والصّين آنذاك. وهو إجمالاً نصّ غني ذو صدقية ويدلّ على خبرة كاتبه بالملاحة في أرجاء المحيط الهندي. وفيه نرى كم كان الغرب الأوروبي مغرماً ببضائع الشرق من توابل وأطعمة وأفاويه وأخشاب وحرير وأقمشة ونفائس، وببضائع جزيرة العرب من أصماغ عطريّة مثل اللُّبان والكندر والعبهر، التي تحوّلت شهرتها إلى مصاف الأساطير، فشاع في تراث الإغريق أنّها كانت تحرسها أفاعٍ سامّة مجنّحة، وتحمي العفاريت كنوزها وتقتل كل من يقترب منها.
محقق الكتاب ولفريد هارڤي شوف 1874-1932 عالم آثار أميركي وباحث في النصوص الكلاسيكية، من مطلع القرن العشرين. ينتمي إلى أسرة ألمانية الأصل هاجر جدّها ياكوب شوف إلى بوسطن عام 1752. وعني ولفريد بترجمة العديد من النصوص الكلاسيكيّة القديمة من عصر اليونان والرّومان، كان أشهرها على الإطلاق كتاب «الطّواف حول البحر الإريثري» نُشر 1912 ، وكتاب «رحلة حنون القرطاجي» في القرن السّادس قبل الميلاد نُشر 1912 ، وكتاب «تجارة الحديد الشرقيّة في الإمبراطورية الرّومانية» نُشر 1915 ، وكتاب «سفينة صُور، دراسة في أحوال التجارة كما ترد في الكتاب المقدّس» نُشر 1920 .
ترجم الكتاب الدكتور أحمد إيبش، باحث متخصص في مجالي التاريخ والفيلولوجيا، صدرت له عشرات المؤلفات في تاريخ بلاد الشام وآثارها وخططها، وفي الدراسات النقدية للنصوص الدينية القديمة، وهو يقوم منذ عام 2008 بتحرير سلسلة لهيئة أبوظبي للسّياحة والثقافة تعنى بترجمة نصوص رحلات الأوروبيين في العالم العربي، خاصّة جزيرة العرب تحت عنوان «روّاد المشرق العربي»، وصدر منها حتى الآن نحو 50 كتاباً.
«الجيوفيزياء المسلية» كتاباً علميّاً مترجماً
كتبت ميس العاني: يحاول كتاب «الجيوفيزياء المسلية» أن يقدم إلى كل مهتم ببنية الأرض والثروات الباطنية وكيفية البحث عنها معلومات تخص هذا المجال، ترتكز على معرفة أصيلة وبحث علمي منهجي. ويقدم الكتاب الذي ألفه غ.س.فرانتوف ويو.س غلوبوفسكي وترجمه المهندس شريف ناصر بحثاً في بعض القضايا الجيوفيزيائية المبسطة لتوسيع معارف القارئ المهتم بالأرض التي نعيش عليها ومكامن الخامات الضرورية التي لا غنى عنها. والكتاب على شكل حديث حيوي ممتع عن الجيوفيزياء كعلم قائم على دراسة الأسس والخصائص الكهربائية والمغناطيسية والإشعاعية للمواد الخام وخواص مرونة الفلزات الذي يحقق أهمية فائقة في دراسة بنية الأرض وتركيبها وفي البحث عن الخامات الباطنية وكشفها.
تحت عنوان «الجيوفيزياء قصيدة الأعماق» يبدأ الفصل الأول من الكتاب الصادر لدى الهيئة العامة السورية للكتاب، مؤكداً على أهمية علم الجيوفيزياء في اكتشاف أسرار الطبيعة وحماية الأعماق، مشيراً إلى دور الجيوفيزيائيين في حل المشاكل الجيولوجية والتي لها علاقة بالحقول الكهرومغناطيسية المشكلة في الكرة الأرضية، سواء بشكل طبيعي أو اصطناعي وحقل الجاذبية الأرضية والخواص الإشعاعية للفلزات والأمواج المرنة وحقول الطاقة. ويتطرق الكتاب 264 صفحة قطعاً وسطاً إلى دور المغناطيس في البحث عن الكنوز الباطنية وإمكانات الاستكشاف المغناطيسي، مشيراً إلى فاعليته في دراسة أعماق الأرض. ويبحث في كيفية اختراق الأمواج الكهرطيسية الأرض، باستخدام معطيات الاستشعار للحصول على معلومات عن الجيولوجيا والانتشار العشوائي للفلزات غير متاحة للرؤية المباشرة وتاريخ تشكل هذه الفلزات. ويؤكد على أن الألغاز ما زالت تكتنف عالم الحقل المغناطيسي للكرة الأرضية ومصادره واقعة في الأرض ذاتها وتحديداً في طبقة الايونوسفير. ويشير الكتاب إلى أن كوكبنا الأرضي خاضع لتنصت الجيولوجيين دائماً عبر أجهزة حساسة ومتطورة جداً محمية من تفاوت درجات الحرارة أو تأثيرات الضوء أو سائر اهتزازات القشرة الأرضية.
يعرّج الكتاب على دور الزلازل في النفاذ إلى أعماق الكرة الأرضية وأهمية العواصف في استجرار الطاقة، راصداً أهمية الانفجارات والصدمات التي تسبب الزلازل والأمواج على سطح الماء وفي باطن الأرض وعامل الضغط الكهربائي في الطبيعة في اكتشاف خفايا علم الأرض، ودور علم الجاذبية في الإجابة عن كثير من الأسئلة المتعلقة بدارسة شكل وبنية الأرض. ويغوص الكتاب كذلك في أسرار الهليوم والجيوفيزياء النووية ودور علم الجيوفيزياء في الكشف عن الآثار ومعرفة أسرار الماضي وعمليات البناء والبحث عن المياه الجوفية. كما يستعرض الأجهزة الجيوفيزيائية في الطبيعة الحية مثل أعضاء حواس الحيوانات والكلاب الجيولوجية التي تساهم في البحث عن الخامات ليختتم الكتاب بالتأكيد على المستقبل العظيم لعلم الجيوفيزياء لكونه دخل في أيامنا هذه سائر مجالات النشاط البشري، من دراسة الفضاء الخارجي إلى علوم الجيولوجيا والآثار والبحث عن الكنوز المفقودة. وذيل الكتاب بملحق تضمن التفسيرات العلمية للمصطلحات الواردة في الكتاب.