شاي أو قهوة؟

يوسف موصللي

أكتب للصباح أم أكتب للمساء، لبداية نهار مشرق أم لصوت الليل الصامت؟ لِمَ قدرنا منقسم بين الشمس والقمر، بين الحب والإنجاز، بين القلب وأهوائه والعقل وبحوره؟ أليس ممكناً صنع مخلوق جديد ينصهر فيه كلا الزمنين في وقت واحد. لماذا نحن البشر نؤخذ دائماً بشروق الشمس وغروبها؟ ألأنها ملتقى للموت والحياة في ثانية واحدة؟ أليست تلك الثانية كل ما يتوق إليه أي كائن حي؟

أين أهرب من ضحكات الصباح في الليل؟ تلاحقني مثل فتاة صغيرة لا تيأس من ملل أبيها من الضحك، فترسم الابتسامة على وجهه رغماً عن أنفه. إلى أين أهرب وأنا أخشى من مشوار الليل ونهايته القبيحة. نهاية أراها كمن يرى يده أمامه، عالماً أن ذلك الليل غدار يأخذك إلى جنات من مهرجان ويجعلك تشعر بما هو فوق الحياة وما هو أغرب من الفرح والسعادة.

بين الواقع والحلم شعرة ومحيطات، قرار وحياة. غريبة القرارات الأقل شأناً في حياتنا أو التي كنا نظنها كذلك، فهي عينها قد تحوّل مجرى حياتنا تماماً في هذا الاتجاه أو ذاك. كم من مصادفة صنعت حلماً أو دمرت حياة إنسان؟ كم من منعطف أبعد هذا عن تلك وأبقى ذاك مع هؤلاء… كذرات مياه في المحيط الواسع لا نعلم أين نحن ذاهبون أو لماذا، وقد توقفنا عن سؤال ماذا «بعد» لأننا لم نجد بعد جواباً لماذا «الآن»؟ ما نحن فيه أصلاً، ما هو الوجود وكيف هو العدم؟ ماذا إن كنا في العدم وكان للوجود بعد آخر أو أسوأ من ذلك. أن لا يوجد سوى العدم احتمال وحيد نهائي.

في أي حال، ما زال طعم الشاي أقرب ما يمكن إلى الشاي، أما القهوة فتنوعت أشكال صنعها حتى غدت اقتصاداً. وما برح الناس يداومون على ممارسة الشاي أو القهوة، كلٌّ بحسب المصادفة التي أودت به إلى هذه الحياة أو تلك. ويستمر الناس يتقابلون فيتبادلون أطراف الحديث ويضحكون، يتحابّون أو يختلفون، ينفصلون ليلتقوا أشخاصاً آخرين في عالم لا نهائي من الآخرين. لا نهاية للبشر وللحب وللموت، فكل شيء مستمر. أما كل ما ورد في كل مكان عن النهاية الموعودة فقد يكون ممثلاً لرغبة الإنسان الكوني المتجاوز العصور في وضع حد لهذا الاستمرار اللانهائي، لذلك الموت الحياتي، لتلك اللحظة المشتركة الأبدية.

في أي حال، وحتى يصل أحدهم إلى إجابة، أدعوكم إلى كأس من الشاي أو القهوة. اختاروا بحرية وعناية، فمن قال أنّ الحياة ديكتاتورية؟!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى