فوضى سياسية فلسطينية… ارتباك و«أزمة قيادة» في اليرموك

راسم عبيدات

لم تشهد الساحة الفلسطينية منذ بداية الثورة الفلسطينية وحتى اللحظة الراهنة، وفي أشدّ المنعطفات وأخطر المحطات والمراحل التي مرت بها، أسوأ من هذه المرحلة التي تغيب فيها القيادة، على كلّ الصعد والمستويات، منظمة وسلطة وفصائل، فمخيم اليرموك وما يتعرض له من مأساة إنسانية وسياسية ذات أبعاد استراتيجية، وما يجري في داخله وما يرتكب من جرائم وحشية على يد عصابات «داعش» ومتفرعاته والتفاهمات التي جرت بين رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله ونائبه زياد أبو عمرو مع قيادة حركة حماس، خلال زيارتهما الأخيرة لقطاع غزة، حول القضايا التي تعيق المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية ورفع الحصار وإعادة الإعمار، وخصوصاً قضيتا إدارة المعابر ورواتب موظفي حكومة حماس، جرى التنكر لها والانقلاب عليها، كما تقول حركة حماس التي شنت حملة شعواء على حكومة التوافق وعلى رئيس السلطة الفلسطينية، محملة إياهما تبعيات ما ينجم عن مثل هذه التصرفات والتنكر لهذه التفاهمات.

وفي المقابل، ردت حكومة التوافق بأن لا خلافات جوهرية مع حماس حول ما جرى التفاهم عليه، ولكن هناك عراقيل ومعوقات وهناك أيضاً من يضع العصي في الدواليب، لكنّ قيادياً فتحاوياً ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، حين قال: لا وجود لمثل هذه التفاهمات إلا في ذهن قيادة حماس، والتفاهمات تكون مكتوبة وليس شفوية. وقد ردّ القيادي في حماس محمود الزهار على تصرفات الرئيس وحكومة الوفاق بالقول إنه يجري الحديث عن تشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة، ورغم أنّ أكثر من قيادي حمساوي أكد ما قاله الزهار، هناك في حماس من نفى وجود مثل هكذا توجه.

كشفت مأساة مخيم اليرموك عورات الجميع، من المنظمة إلى السلطة إلى الفصائل والأحزاب من أكبرها حتى أصغرها، وأثبتت أنهم يهوون الانشقاقات ويبدعون في سوق الحجج والذرائع والأسباب لها، لكي نكتشف في نهاية المطاف أنّ الأمر ليس أكثر من مزاحمة على القيادة والمناصب، أو خدمة لهذا الطرف أو ذاك.

إنّ المواقف الفلسطينية القاصرة والهزيلة والمتلعثمة والمرتبكة والمتناقضة، حيال ما يتعرض له مخيم اليرموك من جرائم وحشية وحصار وتجويع وقتل واغتصاب على يد عصابات «داعش»، أوصدت الباب أمام أي حلّ سياسي لأزمة المخيم، وهذا ما أكد عليه موفد السلطة والمنظمة والرئيس الفلسطيني إلى دمشق الدكتور أحمد المجدلاني، الذي أشار إلى أنّه بعد تمدّد «داعش» وجرائمه في حق من تبقى من سكان المخيم، لم يبق سوى خيار الحلّ العسكري الذي توافقت عليه كلّ ألوان الطيف الفلسطيني 14 فصيلاً ، باستثناء حركة «أكناف بيت المقدس» المحسوبة على حماس والتي تتنكر لها الحركة في الإعلام، فيما تبعث برسائل تطلب من القيادة العامة أن تساعد «الأكناف» في قتال ومحاربة «داعش»، كما ذكر أمين عام الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة أحمد جبريل في مقابلة له على فضائية الميادين. هذا الموقف الحمساوي النفعي والمصلحي، ليس بالغريب فقد تمّ تجريبه سابقاً مع النظام السوري، ولم تلجأ حماس إلى هذه المواقف إلا بعد قيام تلك العصابة المجرمة بقتل واغتيال عدد من عناصرها، وتسليمها المخيم إلى عصابات «النصرة»، وخصوصاً أنّ المعلومات الأكيدة تفيد بأنّ معظم عناصر «أكناف بيت المقدس» أعضاء سابقون في حركة حماس ومن طاقم حراسة رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل.

إنّ القيادة الفلسطينية الغائبة عن مأساة اليرموك، هي من تتحمل مسؤولية كلّ ما يتعرض له شعبنا وأهلنا، فاجترار الكلام عن أنّ ما يجري مؤامرة على حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين كلام إنشائي، ورغبة في الهروب إلى الأمام من تحمل المسؤولية. فتلك القيادة تريد من شعبنا الفلسطيني المضحي والمعطاء أن يعمل في التنجيم لكي يتعرف إلى حقيقة مواقفها المتناقضة والخجولة حيال جريمة إبادة وتطهير ترتكب في حقّ عاصمة الشتات الفلسطيني وبؤرة نضاله وكفاحه وعمله المسلح، مخيم اليرموك. فأي قيادة هذه التي تستخف بعقول أبناء شعبها وتقدم على مثل هذه الحماقات والتصرفات التي لا يمكن قبولها أو تبريرها؟

فبعد أن أعلن موفد الرئيس أنّ «داعش» أغلق وقطع الطريق أمام أي حلّ سلمي للأزمة، ولم يبق سوى خيار الحلّ العسكري، وأنه يجري التنسيق مع النظام السوري في شأنه لتحرير المخيم من تلك العصابات، بحيث جرى الحديث عن تنسيق مع لبنان من أجل استقدام وحدات من مقاتلي المنظمة للمشاركة في تحرير المخيم، تنكرت السلطة لهذا الموقف معتبرة أنّ المجدلاني اجتهد، فإذا كان المجدلاني قد تحدث باسمه واسم فصيله فتلك مصيبة، أما إذا تحدث باسم السلطة والرئاسة عن الموقف الذي حملته إياه، فالمصيبة أعظم. لم تكد تمض ساعات قليلة على تصريح الموفد الرئاسي، حتى تبرأت المنظمة على لسان أمين سرها ياسر عبد ربه من الموقف والقرار، مؤكدة أنها تريد أن تنأى بنفسها عن التدخل في الشأن السوري، وأنها لا تريد تحويل المخيم إلى ساحة صراع بين النظام والمعارضة.

فهل ستقود سياسة النأي بالنفس إلى تحرير المخيم من عصابات «داعش» و«النصرة»؟ وهل الرهان على المؤسسات الدولية التي جُربت سابقاً سيقود إلى تحرير المخيم؟ وإذا كانت المنظمة لا تريد التدخل العسكري من أجل تحرير المخيم، فهل هي مالكة لأدوات الحلّ السياسي؟ مع من ستتفاوض سياسياً من أجل تحرير المخيم؟ مع «داعش» و«النصرة» أم مع مشغليهما الذين ضغطوا عليها، مهدّدين بأنّ التدخل العسكري لتحرير المخيم يعني إغلاق صنابير المال وعدم إقامة موائد الرحمن؟

«داعش» و«النصرة» لا يعترفان بفلسطين ولا بسورية ولا بلبنان ولا بمصر، فهمهم هو الخلافة والدولة الإسلامية، ولا يؤمنون بالجهاد في فلسطين، بل إنّ جهادهم موجه إلى الأقربين، الذين يستحقون، في نظرهم، القتل والتشرّد.

هذا هو المشهد الفلسطيني، على درجة كبيرة من العجز والإرباك والتعلثم والتناقض، وها هي القيادة الفلسطينية تدخلنا وتغرقنا في متاهات وخلافات، تثبت أنها دون مستوى التحديات، فمأساة بحجم مأساة مخيم اليرموك لا تحتمل الخلافات والمناكفات، وكذلك هي قضية قطاع غزة. مواقف القيادة الفلسطينية لا تليق بنا كشعب وقضية وثورة وحركة تحرّر وطني، كنا قدوة ومثلاً ونموذجاً تحتذي به كلّ حركات التحرّر الوطني على مستوى العالم، والآن أصبحنا مثالاً للتندر والبكاء على الماضي المجيد.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى