التعليق السياسي
الإعلام الإسرائيلي والفلسطيني
على مدار أيام الحرب الدائرة في غزة، منذ طوفان الأقصى، وثمة حرب أخرى لا تقل ضراوة تدور على مخاطبة الرأي العام العالمي، واذا كان واضحاً حجم تفوق الإعلام الفلسطيني في حرب الرواية على الإعلام الإسرائيلي، بصورة ترجمتها تظاهرات الشارع الغربي التي فاجأت الجميع بمن في ذلك حكام الغرب نفسه، الذين وجدوا أنفسهم مهدَّدين بمقاعدهم ومناصبهم وكراسي حكمهم، أمام شارع يغلي غضباً ضد تغطيتهم العمياء للعدوان الإسرائيلي الوحشي والإجرامي على الفلسطينيين، والمجازر غير المسبوقة التي ترتكب بحق الأطفال والنساء في غزة.
ربح الفلسطينيون حرب الرواية مرات عديدة، ربحوها في سرد وقائع طوفان الأقصى مع سقوط الأكاذيب الإسرائيلية المتبناة من الرئيس الأميركي ووزير خارجيته وأركان إدارته، حول الاتهامات التي ثبت بطلانها بحق المقاومة حول ارتكابات رافقت عملية الطوفان. وجاءت تحقيقات صحافية عالمية وقضائية إسرائيلية تكشف أن الارتكابات المنسوبة الى المقاومة هي من فعل جيش الاحتلال بحق مستوطنيه. وربحوها في كل تفاصيل وقائع الحرب حول مجمع الشفاء الطبي والاتهامات بكونه مقر قيادة المقاومة وشبكة الأنفاق التي يكفي الوصول إليها لإطلاق الأسرى. وجاءت الوقائع تكذّب الرواية الاسرائيلية رغم تبني الرئيس الأميركي لها. وربحوها في هوية الصاروخ الذي أصاب المستشفى المعمداني رغم تبني واشنطن الاتهام الإسرائيلي للمقاومة بإطلاقه، وجاءت تحقيقات الصحف الأميركية تثبت العكس.
الحرب الإعلامية التي لا تقل أهمية وخطورة، هي تلك التي تجري بين الإعلام الحربي الإسرائيلي والإعلام الحربي الفلسطيني، حيث يتميز الإعلام الحربي الفلسطيني بتوثيق وقائع الحرب وربط كل معلومة يقدّمها بوقائع مثبتة ومسجلة بدقة حول إنجازاته؛ بينما يقدّم الإعلام الحربي الاسرائيلي تسجيلات استعراضية لا تتضمن أي معلومات ولا أي إثباتات على صحة المزاعم، وبمثل المواجهة الإعلامية حول سير المعارك، مواجهة حول نتائجها وأرقام الخسائر، وتأتي الصورة التي تنقل وقائع ارتكابات جيش الاحتلال مثل الاعتقالات الجماعية لمئات وآلاف المدنيين، وسوقهم عراة أمام جنود الاحتلال، لتفضح التكوين اللاأخلاقي لثقافة جيش الاحتلال، وتتسبب له بخسارة ما تبقى من الرأي العام العالمي.
يربح الفلسطينيون الحرب الإعلامية على الإسرائيليين، في ظل فوارق لا يمكن ردمها بين الإمكانات التي يملكها كل من الطرفين في صناعة الإعلام وفي النفوذ على المؤسسات الإعلامية العملاقة التي تسيطر على العالم. ولهذا يصبح هذا الربح مضاعف الأهمية، كما يصح ليكون عبرة حول أهمية سلاح الحق والحقيقة إذا اجتمعا إلى قدر من الانتباه والجدية والمسؤولية في مخاطبة الرأي العام.