بلينكن في تل أبيب للتشاور حول المأزق الأميركي الإسرائيلي… والمرحلة الثالثة/ القسام تحسم النقاش حول الوساطات: لا تبادل دون إنهاء العدوان وفك الحصار/ حردان يستقبل دغمان: الأميركي شريك في جرائم العدوان… والرد بالمقاومة
} كتب المحرّر السياسيّ
لم تعد عنتريات بنيامين نتنياهو تنفع في إخفاء المأزق الذي دخلته الحرب الأميركية الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني والمقاومة في غزة، ولم تعد ثمة قيمة لتصريحات فريق حربه الذي يضمّ عضو مجلس الحرب بني غانتس ووزير الحرب يوآف غالنت ورئيس الأركان هرتسي هليفي، عن المضي قدماً تحت شعار القضاء على المقاومة، بينما جيش الاحتلال ينهار ويتفكك، ولا بات بمستطاع واشنطن تجاهل تحديات تآكل قوة ردعها أمام تنامي دور الجبهات المساندة بعكس دعواتها المرفقة بالتهديدات لعدم فتح جبهات داعمة لغزة ومقاومتها، وقد تحوّل البحر الأحمر الى عبء استراتيجي فرض أنصار الله حضورهم في معادلاته مع حق الفيتو يمارسونه على السماح والمنع بحق السفن العابرة، وفق معادلة لا سفن إسرائيلية او متجهة إلى موانئ الكيان تعبر من مضيق باب المندب، فيما جبهة لبنان تستنزف كيان الاحتلال عسكرياً بصورة متصاعدة بلغت مراحل نوعية أمس وأول أمس، بينما أعداد مهجَّري مستوطنات الشمال تتحوّل إلى صداع لقادة الكيان يكاد يعادل صداع الأسرى لدى المقاومة في غزة، بينما تواصل المقاومة العراقية ضرباتها للقواعد الأميركية في سورية والعراق، وتستعدّ لمرحلة تصعيد أعلى مع خريطة أهداف في البحر المتوسط بدأت من مسيّراتها نحو حقول الغاز الإسرائيلية.
يصل وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن الى تل أبيب اليوم للتشاور حول المأزق المشترك، وفشل محاولات التوصل إلى قبول المقاومة في غزة لمعادلة هدنة جديدة تتضمّن تجديداً لصيغة تبادل الأسرى. وقد حسمت بالأمس كتائب القسام بلسان الناطق باسمها أبو عبيدة، مصير كل الوساطات، بالإعلان الواضح الصريح عن رفض أي مسعى لا يضمن نهاية العدوان وفك الحصار قبل أي تبادل للأسرى، وفق معادلة الكل مقابل الكل.
في مواكبة التطورات في المنطقة وجبهات المواجهة مع العدوان الإسرائيلي الأميركي، استقبل رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان القائم بأعمال السفارة السورية في لبنان الدكتور علي دغمان، وكان تأكيد على أن أميركا شريك كامل لكيان الاحتلال بجرائم الإبادة الوحشية بحق الشعب الفلسطيني، وأن الرد هو بالمقاومة التي ثبت أنها الوصفة الناجعة لمواجهة عدوانية الكيان ووحشيته، والتعبير عن إرادة الشعوب وحقها في تحرير أرضها وتحقيق طموحاتها وتطلعاتها بالاستقلال وتحرير الأرض.
استقبل رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان، القائم بأعمال سفارة الجمهورية العربية السورية في لبنان، علي دغمان، بحضور نائب رئيس «القومي» وائل الحسنية.
وجرى خلال اللقاء عرض للأوضاع العامة، والتوقف عند تصاعد جرائم الإبادة التي ينفذها العدو الصهيوني بحقّ أهلنا في غزة وعموم المناطق الفلسطينية، وعدوانه المتواصل على مناطق جنوب لبنان ومناطق سورية عدة.
وأكد المجتمعون أنّ العدوانية «الإسرائيلية» هي تعبير عن الطبيعة العنصرية والغريزة الإرهابية لكلّ أنظمة الفصل العنصري، التي تهاوت واندثرت أمام إرادة الشعوب الحرة، ولم يبقَ منها إلا نظام الفصل العنصري الصهيوني الذي يلقى كلّ الدعم والتأييد من الولايات المتحدة الأميركية والغرب الاستعماري ومن يدور في فلك هذه القوى الاستعمارية. ولفت المجتمعون إلى أنّ ما يحصل في غزة، من قتل للأطفال والنساء والشيوخ والأطقم الصحافية والإسعافية، ومن تدمير للبيوت والمستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء، هو جريمة ضدّ الإنسانية، ونسف لكلّ الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية والإنسانية، وهذا الإجرام المتمادي بحقّ الفلسطينيين، وانتهاك سيادة لبنان وسورية يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين.
ورأى المجتمعون أنّ خضوع المؤسسات الدولية للهيمنة الأميركية ـ الغربية، جوّف دورها، لدرجة عجزها عن اتخاذ قرار بوقف حرب الإبادة «الإسرائيلية»، وهذا له تداعيات خطيرة على مستقبل العالم وشعوبه.
وشدّد المجتمعون على تعزيز العلاقة القومية بين لبنان وسورية والتساند بين دول المشرق على الصعد كافة. كما كان تأكيد على حقّ مقاومة الاحتلال والعدوان، وبأنّ هذا الحقّ تؤيّده شعوب العالم قاطبة التي ترفع الصوت تنديداً بجرائم «إسرائيل» وعدوانها.
وحافظت الجبهة الجنوبية على حماوتها مع تصعيد إسرائيلي غير مسبوق في استهداف القرى والمدن في الجنوب، مستخدمة أسلوب القصف المركز والمركب أي عبر عدة غارات على مكان واحد لتدمير حي سكني بكامله وإحداث أضرار مادية هائلة، بهدف إرهاب المدنيين وتهجيرهم من جنوب الليطاني وفق ما يشير خبراء عسكريون وسياسيون لـ»البناء»، «لتحقيق أمرين: الأول هو الضغط على المقاومة بأهلها وبيئتها الحاضنة لدفعها للتراجع عن شنّ هجمات على شمال فلسطين أو تدفيعها ثمن ذلك بتهجير أكبر عدد من أهالي الجنوب، والثاني إحداث توازن ردع ديموغرافي – تهجيري مع حزب الله الذي نجح عبر عملياته العسكرية الى تهجير 150 ألف مستوطن من الشمال، ما خلق أزمة كبيرة لحكومة الحرب في إسرائيل، لا سيما أن المستوطنين يضغطون على الحكومة الإسرائيلية ويحمّلونها مسؤولية العجز عن توفير الأمن والحماية لهم لعودتهم الى مستوطناتهم، فيما غالبيّة أهالي الجنوب لا يزالون في قراهم».
ونفذت المقاومة في لبنان سلسلة عمليّات نوعية ضد مواقع للعدو وتجمّعات جنود العدو وحققت إصابات مباشرة.
وأعلنت المقاومة في بيانات متلاحقة استهداف موقع السماقة في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، ثكنة راميم، ثكنة هونين، خربة ماعر، محيط ثكنة ميتات، وثكنة راموت نفتالي بالأسلحة المناسبة محققة إصابات مباشرة.
وذكر الإعلام الحربي في «حزب الله»، أنّه «بعد عمليات المقاومة الإسلامية التي استهدفت معظم كاميرات وتجهيزات الجمع الحربي للعدو الإسرائيلي عند الحافة الأمامية على الحدود اللبنانية الفلسطينية، خسر العدو الكثير من إمكانية الرؤية والتنصت لاستهداف المقاومين ومراقبة تحركاتهم، تعويضاً عن هذه الخسارة، عمد العدو في الآونة الأخيرة إلى اختراق الكاميرات المدنية المثبّتة أمام المنازل والمتاجر والمؤسسات في القرى الأمامية، الموصولة إلى شبكة الإنترنت، للاستفادة من المادة البصريّة التي تؤمنها في جمع معلومات تتعلق بالمقاومة وحركة الإخوة المجاهدين لاستهدافهم».
ولفت إلى «أننا نهيب بأهلنا الأعزاء خصوصاً في القرى الأمامية التي تجري في محيطها أعمال للمقاومة، فصل الكاميرات الخاصة أمام منازلهم ومتاجرهم ومؤسساتهم عن شبكة الإنترنت، والمساهمة في إعماء العدو أكثر عن بعض ما تقوم به المقاومة ومجاهديها من أنشطة أو تحركات في المنطقة».
في المقابل واصل العدو الإسرائيلي اعتداءاته على الجنوب، واستهدف عدداً من القرى والبلدات، وشنّت الطائرات الحربية والمُسيَّرات غارة مزدوجة على منطقة وادي حومين التحتا، مع تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع على علو منخفض جدًا في أجواء رومين، حومين، اركي، والعرب.
وزعمت إذاعة جيش الاحتلال أن «سلاح الجو يشنّ هجوماً استباقياً في جنوب لبنان ويستهدف بنية تحتية لحزب الله».
وأشارت مصادر مطلعة على الوضع الميداني والسياسي لـ»البناء» الى أن «الوضع في الجنوب يشهد تطورات دراماتيكية ومرحلة جديدة من القصف المتبادل بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي، ما يعكس مساراً تصعيدياً بشكل تدريجي قد يصل الى مرحلة الحرب المفتوحة إذا ما استمرّ على هذا النحو وإذا طال أمد الحرب في غزة»، ملاحظة أن جيش الاحتلال وسع قواعد الاشتباك لجهة استهداف جسر الخردلي وجبل الريحان وجبشيت الواقع ضمن منطقة شمال الليطاني، ولجهة ضرب أهداف مدنية في مدينة بنت جبيل، ما دفع المقاومة الى الرد بشكل حازم بقصف مستوطنات الشمال بعشرات الصواريخ وتكريس معادلة الردع، وهذا القصف الإسرائيلي يعكس حالة الإرباك والأفق المسدود لحكومة الحرب في مواجهة الأمر الواقع في غزة وشمال فلسطين المحتلة»، لكن المصادر شدّدت على أن «رغم توسيع قواعد الاشتباك إلى أن جيش الاحتلال لا يزال ضمن سقف تفادي الذهاب الى حرب مفتوحة، لأسباب داخلية تتعلق بهزيمة الجيش الإسرائيلي في غزة وانهيار الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وخارجية ترتبط برفض أميركي للحرب على لبنان لأنها ستؤدي الى حرب في المنطقة تهدّد المصالح الأميركية في المنطقة برمتها، ما ينعكس على الوضع الانتخابي للرئيس جو بايدن الذي سيبدأ حملته الانتخابية في شباط المقبل». ولفتت المصادر الى أن حكومة الحرب لم تأخذ الضوء الأخضر الأميركي لتوسيع الحرب ضد لبنان حتى الآن.
في سياق ذلك، كشفت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، أنّ «وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ونظيره الإسرائيلي يوآف غالانت ناقشا تهديدات الأمن الإقليمي بما فيها أنشطة حزب الله في جنوب لبنان».
وأشارت أوساط مطلعة على موقف حزب الله لـ»البناء» الى أن المقاومة لا تلتفت الى الرسائل والتهديدات الخارجية الأميركية والأوروبية ولا إلى التهديدات الإسرائيلية، فالمقاومة ماضية في دورها العسكري على الجبهة الجنوبيّة كجبهة إسناد لغزة والمقاومة والشعب في فلسطين، ولن تتراجع قيد أنملة عن الحدود لا الآن ولا في المستقبل، ومن يجب أن يبتعد عن الحدود هم جنود وضباط العدو الإسرائيلي والمستوطنين، والمقاومة تحتفظ لنفسها بحق الرد على أي عدوان إسرائيلي وفق قواعد الاشتباك القائمة ومعادلات الردع المعروفة، لكن أي عدوان إسرائيلي كبير على لبنان سيلقى رداً عنيفاً وقاسياً لم يعهده العدو من قبل، وسيتفاجأ بما تملكه المقاومة من مفاجآت على كافة الصعد».
وشيّع حزب الله وأهالي البقاع فقيد الجهاد والمقاومة المعاون التنفيذي للأمين العام لحزب الله النائب السابق الحاج محمد حسن ياغي، في موكب حاشد في بعلبك بحضور رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين ممثلاً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، النائب غازي زعيتر ممثلًا رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وقال صفي الدين في كلمة له: «عهدنا إليك، وعهدنا لكل من سبقك من الشهداء والأحبة والأعزاء أن تبقى هذه المقاومة كما هي، كما أحببت، كما عملت، كما ضحّيت من أجلها، أن تبقى المقاومة القوية والقادرة والمخلصة والصادقة والحاضرة، ولن تتمكّن أي قوة في العالم أن تفرض على المقاومة ومنطقها أيّ شيء من خارج مصلحة لبنان، ومن خارج مصلحة القضية الأساس قضية فلسطين، ومن خارج مصلحة الأمة. هكذا كانت المقاومة، وهكذا بقيت، وهذا هو عهدها معك ومع بقيّة الشهداء».
وفي توقيت مريب، شهدت بعض قرى الجنوب إشكالات بين الأهالي وقوات اليونيفيل التي أعلنت في بيان أن «جندي حفظ سلام أصيب الليلة الماضية أمس الأول)، بعد أن تعرّضت دورية تابعة لها لهجوم من قبل مجموعة من الشباب في بلدة الطيبة في جنوب لبنان، كما تضررت آلية في الحادث». واعتبرت أن «الاعتداءات على الرجال والنساء الذين يخدمون قضية السلام ليست فقط مدانة، ولكنها تشكل أيضاً انتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 والقانون اللبناني. إن حرية حركة قوات حفظ السلام أمر حيوي خلال عملنا على استعادة الأمن والاستقرار على طول الخط الأزرق». ودعت «السلطات اللبنانية إلى تحقيق كامل وسريع وتقديم جميع الجناة إلى العدالة». وختمت «ما زال حفظة السلام التابعون لليونيفيل يتابعون مهامهم، وسنواصل عملنا الأساسي في المراقبة ووقف التصعيد».
كما اعترضت مجموعة من الشبان من بلدة كفركلا طريق دورية تابعة لـ»اليونيفيل» من الكتيبة الفرنسية أثناء مرورها في البلدة وأجبرتها على التراجع بعد ضرب آليتها بعصا حديديّة. وحلّ الموضوع بعد التواصل مع المعنيين من دون وقوع إصابات في الحادثة. وأعلنت نائبة مدير مكتب «اليونيفيل» الإعلامية كانديس ارديل في بيان أنه «تم اعتراض طريق جنود حفظ سلام لمدة أربع دقائق تقريباً خلال مرورهم في كفركلا، وذلك بينما كانوا في طريقهم إلى مقرّنا في القطاع الشرقي». وأضافت «بعد مناقشة قصيرة مع سكان المنطقة، واصل حفظة السلام طريقهم. إننا نواصل تأكيد أهمية حرية حركة اليونيفيل بينما نعمل على استعادة الأمن والاستقرار في جنوب لبنان».
وتوقفت مصادر سياسية عند توقيت حصول الحادثتين، مشيرة لـ»البناء» الى أن وجود أيدٍ خفية تدفع الى مثل هذه الحوادث لتسليط الضوء على أن هناك مَن يعيق عمل قوات اليونفيل لتطبيق القرار 1701 وتوجيه الاتهام الى حزب الله، لاستدراج ضغوط دولية وحثّ مجلس الأمن الدولي على طرح ملف الحدود الجنوبية وتعديل القرار 1701 وتوسيع صلاحيات قوات اليونفيل في جنوب الليطاني لإعاقة عمل المقاومة وحركتها في جبهة الإسناد لغزة، ما يخدم توجهات ومصلحة كيان الاحتلال الذي يطالب ويعمل لإبعاد حزب الله عن الحدود».
على المستوى الرسمي، استقبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وزير خارجية بريطانيا ديفيد كاميرون في دارته وجرى عرض للعلاقات بين البلدين والوضع في جنوب لبنان وغزة. وخلال الاجتماع جدد رئيس الحكومة «المطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة وجنوب لبنان»، معتبراً «أن استمرار الاستفزازات الإسرائيلية في جنوب لبنان قد يؤدي الى تدهور الأوضاع واندلاع حرب شاملة في المنطقة ككل».
ودعا «إلى ممارسة أقصى الضغوط لوقف الاعتداءات الاسرائيلية على جنوب لبنان». وكرر التأكيد «ان المدخل الى وقف الحرب في غزة يبدأ بوقف إطلاق النار ومن ثم الانتقال الى التفاوض على حل على اساس الدولتين واعطاء الفلسطينيين حقوقهم». وأكد «أن من شأن استمرار المساعدات البريطانية للجيش أن تدعم جهود المؤسسة العسكريّة وعملها في هذا الظرف الصعب». بدوره اعتبر كاميرون «أن تصعيد الصراع من غزة إلى لبنان أو البحر الأحمر أو عبر المنطقة ككل، من شأنه أن يرفع مستوى المخاطر وانعدام الأمن في العالم». وقال: «أنا ممتنّ لرئيس الوزراء اللبناني لمناقشة هذه القضايا الحاسمة معي اليوم ولجهود لبنان لمنع مثل هذا التصعيد».
كما جرى اتصال بين رئيس الحكومة ووزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا عبّر خلاله رئيس الحكومة عن قلقه «لتصاعد العدوان الاسرائيلي على جنوب لبنان واستهداف المدنيين على نطاق واسع». واعتبر أن «من شأن هذا التمادي في الاعتداءات ان يدخل لبنان في مواجهة شاملة قد تطال كل دول المنطقة». وطلب «الضغط على «اسرائيل» لوقف انتهاكاتها المتمادية».