« الأسد» على موعد قريب مع التاريخ…!
سومر منير صالح
ما أشبه اليوم بالأمس، أحداثٌ سياسيةٌ تتطوّر دراماتيكياً في منطقة «الشرق الأوسط»، وأزماتٌ تعصف بالمنطقة، حروبٌ وثورات، وثوراتٌ مضادة، حملت معها فشلاً دولياً في احتواء الأزمات، فشل تعّقد معه المشهد الأزموي، وبات الكلّ ينتظر المعجزات لحلّ الأزمات، فلا أفق واضحاً حتى الآن لانتهاء مشهد الدم والخراب الممتدّ على كامل الجغرافيا الإقليمية، وكما قال السيد حسن نصر الله من يمتلك الصبر الاستراتيجي هو من سينتصر، صبرٌ استراتيجيٌّ دام عشر سنوات بين العامين 1979 – 1989 أنتج انتصاراً سورياً ـ إيرانياً على المستوى الإقليميّ في مواجهة المعسكر السعوديّ ـ العراقيّ آنذاك، ذاته الصبر الاستراتيجي، وذاتهما الدولتان الحليفتان سورية وإيران، والأكيد هو النصر الاستراتيجي المرتقب،
لنعد قليلاً إلى نهاية السبعينيات من القرن المنصرم، ثورة إسلامية في إيران تطيح بشاه أميركا وحليف الخليج، تهبّ فور إعلانها الولايات المتحدة وحلفاؤها الخليجيون لإجهاضها، وتتوتر العلاقات الخليجية ـ الإيرانية على إثرها، توتر حمل معه إرادة التخريب والتدمير لكلّ من أيد الثورة باعتبارها خيار شعبٍ بغضّ النظر عن ايديولوجيتها الدينية أو السياسية، ابتداءً من لبنان إلى سورية، عبر دعم ميليشيا «الإخوان المسلمين» الإرهابية في سورية، وتسعير نار الحرب الأهلية اللبنانية، في محاولة عزل إيران عن محيطها، وأوكلت مهمة إجهاض الثورة الإيرانية إلى رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين الذي شنّ حرباً بالوكالة الخليجية على الجمهورية الإسلامية الفتية، تورّط العراق بعدها في الحرب، وعملت الولايات المتحدة على إبقاء نار هذه الحرب مشتعلةً في المنطقة عبر احتواء مزدوج للصراع، واشتدّت الأزمة السياسية والاقتصادية في سورية على خلفية موقفها الداعم لإيران، «الموقف والتوجه المعادي لإسرائيل»، وتدخلها في لبنان لإيقاف الحرب الأهلية الدائرة هناك، وصدّ العدوان «الإسرائيلي» على بيروت الذي أراد إسقاط كلّ لبنان، صمودٌ أسطوريّ للحليفين طهران ودمشق في فترات الصراع الممتدّ من العام 1980-1988…
وضعت الحرب العراقية ـ الإيرانية أوزارها في العام 1988، وتمكن الجيش السوري من إيقاف الحرب الأهلية تقريباً في لبنان وصدّ العدوان «الإسرائيليّ» عليه وإسقاط اتفاقية 17 أيار 1983 بمساعدة قوى وطنية لبنانية لم تذعن لأميركا و«إسرائيل»، فأدركت المملكة السعودية حينها أنّ الانتصار المشترك السوريّ ـ الإيرانيّ بات قريباً، فحثت الخطى بدعمٍ أميركيٍّ لإنهاء أزمة لبنان على قاعدة التفاوض قبل أن تنسحب من لبنان على قاعدة الهزيمة، فجلس الجميع على مائدة المفاوضات اللبنانية، وعقد اتفاق الطائف في العام 1989 وهو اتفاق سوريّ سعوديّ إقليميّ برعاية أميركية، اتفاق أزعج صدام حسين في حينه، وشكل له خسارةً لمعركةٍ أخرى، بعد فشل العدوان على إيران، حيث عمل صدام على محاربة القوات السورية في لبنان عبر أذرع يمينية وراديكالية وفصائل فلسطينية بغية هزيمة تلك القوات وهو ما باء بالفشل الذريع مع نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم.
هذا التخبّط الصدامي قاده إلى خطأ استراتيجيّ عبر مكيدة أميركية بدخوله الكويت العام 1990، غزو قلب حسابات المنطقة العربية برمّتها، وفي زمن الأزمات والتحوّلات يظهر القادة العظام وخياراتهم الحاسمة، القائد الخالد حافظ الأسد وفي قراءة للتحوّلات الدولية مع بدء تفكك الاتحاد السوفياتي، مدعوماً بنصر سوري في لبنان، وبناء ردعٍ استراتيجيٍّ مع العدو «الإسرائيليّ»، اقتنص القائد لحظةً في التاريخ، ودخل في التحالف الدولي لإيقاف صدام حسين وأرسل قوات من الجيش العربي السوري إلى السعودية للمشاركة في عملية تحرير الكويت، فكانت النتيجة المباشرة لهذه الأمر إتمام الاستحقاق في لبنان، وانتهاء الأزمة الاقتصادية في سورية وانفتاح دوليّ على دمشق، وعادت سورية «الأسد» إلى الصدارة العربية والإقليمية مجدداً…
بالمقاربة مع مشهد اليوم في نفس المنطقة ولنفس الفاعلين الإقليميين، حربٌ سعوديةٌ على ذات المحور السوريّ الإيرانيّ، والوكيلان التركي الأردني يشنان حرباً عدوانية ظالمة ضدّ سورية عبر أذرعهم الإرهابية، وعبثٌ سعوديّ في العراق وتعطيل سياسي في لبنان، لتشتيت المحور الصديق لسورية، في سيناريو مشابه لما قامت به المملكة إبان الحرب العراقية الإيرانية، عبر تشتيت المحور الصديق لإيران حينها، وإيران تقف إلى جانب سورية، إذاً ذاته المشهد يتكرّر، مع انعكاس في الأدوار، فالحرب السابقة كانت على إيران الثورة، وسورية تدعم وتخوض حرباً بالإنابة في لبنان، أما اليوم حربٌ على سورية، والحليف الإيراني يدعم ويخوض حروباً سياسية واقتصادية ودعماً لوجستياً بالإنابة عن المحور برمته، تتابع الأحداث وتنتصر إيران سياسياً وتنجح في توقيع «اتفاق الإطار» النووي مع الغرب، هذا الاتفاق أربك الحسابات السعودية التركية الأردنية، وتعالت معه الأبواق الإعلامية التي تشير إلى «عاصفة حزم» ضدّ سورية لا تعدو كونها ضجيجاً إعلامياً لتحسين المواقع التفاوضية في الأزمة السورية، فجنيف 3 اقترب، والحلّ السياسي في سورية بدأ بالتبلور، بدأنا نشهد ملامحه انطلاقاً من اختراقات مؤتمر موسكو2 التشاوري، وكما كان اتفاق الطائف هو نتيجة التخوف السعودي من انتصار سورية في لبنان، فجنيف 3 وما يليه وما يشابهه هو نتيجة الخوف والفوبيا السعودية من انتصار سورية مجدداً، والفرق بين الحالتين هو أنّ سورية كانت مستعدة للتفاوض في لبنان على قاعدة أولوية إنهاء الصراع هناك، إلّا أنّها غير مستعدة للتفاوض على أراضيها وشعبها، ولكن من الجائز التفاوض على ملفات أخرى تحدّدها القيادة السورية لاحقاً، وعلى قاعدة عدم المسّ بالحلفاء وشركاء الانتصار، هذا التخوّف السعودي من انتصار المحور المقاوم قادها إلى خطأ استراتيجي بدخولها المستنقع اليمني، وهذا الخطأ هو نتيجة توريط أميركيّ تركيّ للمملكة لإضعافها واستبدال الدور السعوديّ بدور تركيّ أكثر عقلانية في إدارة الصراع مع إيران النووية، في سيناريوات سبق مناقشتها إعلامياً وصحافياً، لكن عدم الردّ اليمني أفشل العدوان برمته، ومنع التحالف التركيّ الأميركيّ من تحقيق أهدافه في المملكة إلى حدّ الآن، هنا نتوقع من باب التحليل الصحافي ظهوراً «داعشياً» داخل المملكة، ضمن نظرية «السمكة في الصحراء» التي تتبناها «داعش»، لتحقيق ذات الأهداف في المملكة، وبهذا تكون تركيا الأردوغانية الراعية للإرهاب في المنطقة قد انقلبت على حليفتها في الحرب الظالمة على سورية المملكة السعودية الوهابية كما انقلب عليها صدام حسين سابقاً في العام 1990، هنا تظهر عبقرية القادة العظام مجدداً، واقتناص لحظات في التاريخ، يتغيّر معها المستقبل، فسورية تمثل الحربة الأولى في الحرب على الإرهاب «الداعشي»، والثابت أنّ سورية لن تغيّر موقفها في مكافحة الإرهاب، فالسياسة السورية تحكمها المبادئ لا الأحقاد، فمن يريد أن ينتصر على «داعش وأخواتها» لا بد له من زيارة دمشق مجدداً، دمشق التي اكتسبت رغم الجراح والدمار خبرة لا مثيل لها في مكافحة الإرهاب «الداعشي» ومشتقاته، زيارةٌ خليجيةٌ مرتقبةٌ إلى دمشق سيكون معها المستقبل مغايراً لتاريخ قريب، مثبّتاً الانتصار السوريّ، وكما تهافت حكام الخليج إلى القائد الراحل حافظ الأسد يتوسّلونه إنقاذهم من براثن صدام حسين، حليفهم السابق، وكان معه إعلان دمشق في العام 1990، سيتهافت أبناء هؤلاء الحكام وهم حكام الخليج اليوم إلى دمشق يتوسلون «القائد بشار» الحلّ، وإخراجهم من مساعي أردوغان حليفهم الحالي، الانقلاب عليهم وتدمير بلدانهم… ومعه سيكون إعلان دمشق مجدداً، عنوانه الانتصار السوري، والخيبة السعودية، والعقاب الدوليّ لتركيا العثمانية…
باحث بدرجة الدكتوراه
في العلوم السياسية