«إسرائيل»… القرار الخطأ والمفعول العكسي
نمر أبي ديب
الميدان بيننا… مختصر استراتيجي بنكهة عسكرية، لما يمكن أن يكون عليه حال المراحل المقبلة، على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، انطلاقاً من موقف الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله مروراً بكسر «إسرائيل» قواعد الاشتباك واغتيال الشيخ صالح العاروري، وصولاً إلى ما بات يُعرف بـ «الخطوط الحمر الجغرافية، وقصف «إسرائيل» لضاحية بيروت الجنوبية، التي وضعت الاعتداء «الإسرائيلي» في خانة إعلان حرب، والخطأ التكتيكي الذي يستوجب على مستوى المواجهة المفتوحة، «رداً نوعياً» مرفقاً بتعاطٍ سياسي / عسكري مختلف واستثنائي، يشمل على خط المواجهة كما الردّ الميداني نواحي عديدة من بينها العمق الجغرافي، الذي يُفترض أن يعادل في أبعاده المعنوية والاستراتيجية ما تمثله الضاحية الجنوبية من قيمة مضافة وثقل عسكري لقوى المقاومة.
ثانياً يجب أن يتكافأ الردّ من حيث الطبيعة العسكرية والبشرية، مع ماهية اعتداء الضاحية وأيضاً مع موازين القوى الإقليمية و»توازنات الردع» التي يُفترض أن تبقى قائمة، رغم المستجدّ الميداني من جهة والدور الأميركي في بُعديه السياسي كما العسكري، الهادف مع أساطيله الاستعراضية حتى اللحظة إلى توفير الدعم الكامل كما الحماية لكيان الاحتلال، رغم الازدواجية السياسية التي تتحلى بها إدارة جو بايدن والواضحة في مواقف الرئيس الأميركي، وأيضاً في الدور السلبي الذي تلعبه الولايات المتحدة الأميركية داخل مجلس الأمن الدولي، والكلام يشمل إضافة للانحياز العالمي، إسقاط المندوب الأميركي في مجلس الأمن من خلال حق النقض (الفيتو) مجمل «المشاريع الأممية» الهادفة إلى تفعيل مسار الحلّ الإقليمي، والإعلان الفوري عن وقف دائم لاطلاق النار في غزة.
تتمثَّل «الخطيئة» الأميركية / الاسرائيلية اليوم في منح المحور المقاوم، مبرّرات الصياغة الجديدة لتوازنات المنطقة العسكرية، من خارج قواعد الاشتباك المعمول بها حالياً، وهذا يتضمّن في الحد الأدنى نقلة أكثر من نوعية على مستوى الجهوزية الأمن/ عسكرية التي باتت متوفرة على أكثر من مستوى ومحور، بالتالي ما تقدّمه حماس اليوم على مستوى الصمود العسكري والمواجهة خير دليل على عامل التفوق الفردي في أصعب التحام عسكري واجهته حركة مقاومة منذ حرب تموز 2006، ما يشير ويؤكد على دخول «إسرائيل» بما تمثِّل من كيان احتلالي، ومؤسسات عسكرية وأمنية وحتى اقتصادية نفقاً وجودياً قاتلاً قائماً في الدرجة الأولى على التوقيت الخاطئ، وأيضاً على درجات من الجهوزية الأمن عسكرية التي باتت تتطلبها أزمنة الحسم الميداني، رغم الدمار الهائل ودموية الصورة التي تقدّمها آلة القتل الاسرائيلية في كلّ من غزة ولبنان.
برزت على خط المواقف الإسرائيلية الباهتة، محاولات تبريرية يائسة ذات بعدين:
أولاً: (الظاهر) يتضمّن فصلاً ممنهجاً بين «دوافع الاستهداف العسكري» و»الجغرافيا السياسية» التي تعرّضت للاعتداء والقصف، في محاولة فاشلة، الهدف منها «عزل قوى المقاومة بمجمل مكوناتها العسكرية، وأطيافها السياسية» والحديث يتناول بشكل مباشر حزب الله وحماس تمهيداً للاستفراد العسكري من جهة، والعزل الأمني والسياسي.
ثانياً: (الجوهر)، الذي أراد من خلاله نتنياهو، العبث بأمن الساحة اللبنانية، كما الإعداد العسكري، لمندرجات فتنة داخلية لبنانية لبنانية وأيضاً لبنانية فلسطينية، مهَّد لها المتحدث باسم الحكومة الاسرائيلية مارك ريغيف، حين أكَّد أنّ ما حدث (لم يكن هجوماً على الدولة اللبنانية)، كما لم يكن هجوماً أيضاً على حزب الله، مضيفاً من فعل ذلك قام بتوجيه ضربة دقيقة ضدّ قيادة حركة حماس».
في سياقٍ متصل، وضمن السيناريو ذاته فشلت «إسرائيل» في استدراج الداخل الفلسطيني إلى فتنة وجودية يمكن من خلالها وضع حركة حماس أمام جبهتين :
داخلية في مواجهة «العشائر»، التي أعلنت في بيان أنها تدعم المقاومة وأكدت بصريح العبارة انّ إدارة غزة شأن فلسطيني بحت، لافتة إلى أنّ الحديث عن تولي العشائر إدارة الحياة المدنية في غزة هو كلام مثير للسخرية، وهذا الكلام لن يتعاطى أو يتجاوب معه إلا من يدور في فلك الاحتلال الاسرائيلي، وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً».
خارجية تتعلق بمواجهة الاحتلال الاسرائيلي الذي وجد في مسار الجبهتين إضعافاً «للقوة الفلسطينية» من جهة وتشتيتاً للموقف الفلسطيني الجامع الذي أكَّد من خلاله المعطى الميداني على وجود أكثر من ورقة استراتيجية رابحة، لم ولن يفرّط بها الوعي الفلسطيني، المتمثل في موقف العشائر، وأيضاً في النفس المقاوم، الذي تتعاطى من خلاله حركة المقاومة حماس.
استطراداً على ما تقدَّم نجح الجيش الاسرائيلي بقصف الضاحية الجنوبية لبيروت، وتنفيذ عملية الاغتيال، لكنه فشل في نثر بذور الفتنة التي يبحث عنها اليوم، البعض من «متصهيني الداخل والخارج» الذين عجزوا بالرغم من آلة القتل والتدمير الاسرائيلية من ليّ ذراع المقاومة في فلسطين ولبنان، وتركت الكلمة الفصل للميدان كما أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله…