مقالات وآراء

معادلات جديدة…

‬ د. حسن مرهج*

طبيعة المستجدات في عموم المنطقة تفترض مقاربات جديدة لكلّ التطورات، والاستهداف الأميركي البريطاني للحوثيين يأتي في سياق الصراع الاقليمي والدولي، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال النظر إلى الاستهداف من زاوية هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، فالأمر متعدّد الاوجه ويأتي في إطار صراع المصالح ووضع حدّ لإيران ومن ثم إيقاف الحوثيين وهجماتهم في البحر الأحمر بحسب الروايات الغربية، لكن في العموم فإنّ هذا الاستهداف يأتي فقط لحفظ ماء وجه الأميركي في المنطقة، إذ تدرك الولايات المتحدة بأنّ جماعة الحوثي لديها من الاستراتيجيات ما يمكنها من تخطي العدوان الأميركي، ولنا في حرب اليمن مع السعودية والإمارات خير مثال، إذ أنه رغم وحشية العدوان على اليمن لا يزال الحوثي قادراً على توجيه الضربات ووضع الخطط العسكرية، وبالتالي فإنّ الاستهداف الأميركي البريطاني يأتي في إطار محدّد هو حفظ ماء الوجه.
يمكن القول بأنّ الاستهداف الأميركي البريطاني جاء كردّ فعل على احتجاز السفن، لكن في العمق ستخدم الضربات الأميركية المحدودة للحوثيين، وستحفظ لهم ماء وجههم على الأقلّ إعلامياً، وستكسبهم مزيداً من التعاطف الشعبي كونهم منفردين في مواجهة العاصفة البحرية الحوثية التي وجهت رسالة للجميع بأنّ اليمن والحوثيين قوة قادرة على تغيير وقائع المنطقة وفرض المعادلات الجديدة.
بالنسبة لإدارة بايدن، على الأرجح أنها لن تسعى لتوسيع نطاق الحرب في الشرق الأوسط، لما يمكن أن يقود لإغراق واشنطن في حرب جديدة هي في غنى عنها. وحتى في سبيل تحقيق مكاسب انتخابية، ستكتفي إدارة بايدن بتنفيذ ضربات محدودة ومركزة، وقد تتطوّر الضربات إلى استهداف شخصيات حوثية إذا ما تمّ استهداف قوات عسكرية أميركية أو بريطانية.
في المقابل فإنه من غير المعروف حتى الآن، فيما إذا كانت الجماعة الحوثية ستدرج الدول التي هدّدتها في السابق على قائمة أهدافها حال انضمامها للتحالف الدولي الجديد، ومن بينها البحرين، كأقرب الدول على النطاق الجغرافي ومشاركتها بشكل علني سواء في تحالف «حارس الازدهار» أو في الضربات العسكرية الأخيرة، وما إذا كانت ستوجه لها ضربات بالمُسيّرات أو الصواريخ على أراضيها من قبل الحوثيين، لكن مسار الأحداث في اعتقادي ذاهب بإتجاه التهدئة.
في ذات الإطار يمكن أن تتغيّر حسابات التصعيد في منطقة البحر الأحمر، إذا ارتبطت بتغييرات من شأنها ردع «إسرائيل» عن توسيع الصراع في غزة، وقد يؤثر هذا على المشهد الكلي بشكل حاسم في نهاية المطاف. لكن عموماً لا مصلحة للأميركي أو غيره من القوى بتوسيع دائرة الحرب.
واقع الحال يؤكد بأنّ الحوثيين تمكنوا من فرض معادلة البحر الأحمر على الجميع، وضمن ذلك فإنّ الاستهداف الأميركي البريطاني لم ولن يكون عامل ردع للحوثيين، بل على العكس فإنّ هذا العدوان ستكون له حقائق تاريخية بأنّ اليمن عموماً والحوثيين خاصة هم أسياد البحر الأحمر، ولن يستطيع أحد أن يُحيّد القوة اليمنية، والتي ستوظف في قضايا التسويات الكبرى.

*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى