رسائل باليستية إيرانية بالنار… أيّ مرحلة جديدة؟
رنا العفيف
تردّ إيران على الاعتداء الإرهابي الأخير على مواطنيها في كرمان وتردّ على اغتيال القائد رضى الموسوي، أيّ حسابات لهذا الردّ على ضوء الرسائل النارية في إطار الصراع القائم والحرب على غزة؟
بصواريخ باليستية إيران تستهدف وتقصف مقارّ للموساد في أربيل ومجموعات إرهابية في إدلب وشرق الفرات وباكستان في إطار حماية أمنها القومي، ما يعني بأنّ القراءة حامية في الصراع الأوسع في ظلّ الحرب على غزة وعلى الردّ الآتي والمتوقع على جريمة اغتيال القائد رضي الموسوي ولا سيما الاعتداء الأخير على مواطنيها في ذكرى استشهاد القائد قاسم سليماني في كرمان، وهذا أمر توعّدت به طهران بشكل قطعي وحتمي…
اللافت هنا هو الردّ الذي أتى باليستياً وهو الأبعد في دلالاته وأبعاده الإستراتيجية في الشكل والمضمون لما هو آتٍ في ملامح المرحلة الجديدة بكلّ المستويات، فعندما الأمر يتعلق بحماية ايران أمنها القومي، فهذا يعني أنّ هناك رسائل في العلن كبيرة تحمل في سطورها ما هو غير متوقع وجدي على الولايات المتحدة الأميركية وربيبتها «إسرائيل» وتحديداً الأخيرة أن تقرأها جيداً، لأنّ ذلك ربما ليس منفصلاً عن استمرار الإبادة المدعومة أميركياً على غزة، على اعتبار أنّ كلّ الجبهات مرهونة بذلك بين قوسين من لبنان إلى العراق فاليمن، لأنّ بعد ذلك لا اطمئنان لـ «إسرائيل» ولا هدوء لأميركا والمنطقة بشكل عام وفقاً للسير بخطوات إضافية قد تكون نتائجها كارثية بالمعنى الحرفي في خضمّ ما هو مرهون ببعضه البعض هذا أولاً…
ثانياً: عندما يتعلق الأمر بالرسائل لأكثر من طرف، يعني بأنّ هناك استمرارية في بنك الأهداف التي هي بحوزة إيران، فمثلاً موضوع كردستان حيث الموساد المتواجد في هذه البقعة من المنطقة، جدير بالذكر بأنّ هناك تحذيرات إيرانية ومع هذا لا تزال حكومة الإقليم تتعامل وتتعاون بشكل مباشر مع «إسرائيل»، إذ في هذا المقرّ الموسادي يوجد ضباط من الاستخبارات الإسرائيلية يقومون بمهمات معينة خدمة لأميركا في المنطقة، وخير شاهد ما حدث في سورية من استهداف الشهيد رضي الموسوي، الأمر الذي يعطي إيران الحقّ المشروع في أن تستهدف جميع المقار الموسادية في المنطقة لأنّ «إسرائيل» تنفذ وأميركا ترعى الإرهاب في المنطقة تحت غطاء القضاء على داعش، ولكن في حقيقة الأمر هو أنّ من يدير عش الدبابير الموسادية هي أميركا والكيان ينفذ مآربها، خاصة أنّ هذا الإرهاب يطال الداخل الإيراني من خلال كردستان، وبالتالي في خلاصة الاستنتاج السياسي إيران تملك الحق الكامل في الدفاع عن أمنها وحماية المنطقة من زعزعة الكيان ومن يقف خلفه، لأنّ التواجد الإسرائيلي موجود في أزقة الموساد في المنطقة ككلّ وفي أكثر من نقطة، لذا أتى هذا الاستهداف كنوع من الرسائل الاستراتيجية المباشرة بوضوح للإقليم كردستان بعدم التعاطي مع الكيان الصهيوني، لأنّ إيران لن تتساهل مع هذا الأمر، ولا يمكن لأحد اختراق الأمن القومي الإيراني لأنّ ذلك يُعدّ تجاوزاً للخطوط الحمر وهذا ما لا تسمح به إيران بالمطلق، وعلى الخصوم أن يتلقفوا الرسائل من خلال هذة العملية المزدوجة بالشكل والمضمون وفقاً للمعيار الاستراتيجي بالهدف والدقة على مستوى المنطقة، قد يقول قائل ماذا لو لم تكن الحرب على غزة فكيف سيكون الردّ الإيراني؟
لطالما أميركا دخلت الحرب بشكل علني ومباشر من خلال استهداف اليمن، وتدافع عن «إسرائيل»، وتتهم إيران بكلّ شاردة وواردة في المنطقة، أيّ كل عملية تحصل تشير الولايات المتحدة بإصبعها لإتهام إيران، كما تتهمها في كل مرة حيال أيّ فعل مقاوم على الأرض، كما تتهم أيضاً حزب الله بالتمويل والتسليح وأنّ خلف عمليات أنصار الله إيران وحزب الله، وتخلط الحابل بالنابل نتيجة التخبّط والزهايمر السياسي وهذا بات واضحاً للعالم بأسره،
بالتالي أتى هذا الاستهداف على خلفية أكثر من عامل سياسي وعسكري إذ دمج بين الموساد والإرهاب بضربة واحدة في سياق إقليمي معقد بالتوازي مع التصعيد الإسرائيلي الأميركي في مجمل المنطقة، أيّ من غزة إلى البحر الأحمر والعراق وسورية، ليعكس تطوّراً إيرانياً إيجابياً في المدّ وسط استمرار الفعل السياسي المستفز على الميدان، إذ وصفت هذة العملية وسائل إعلام إسرائيلية على أنه هجوم غير مسبوق، لتصل الرسائل للولايات ولـ «إسرائيل»، وقد يكون لهذه الرسائل مسارات معينة مفادها بأنّ إيران قادرة على قطع اليد الطولة الإسرائيلية والأميركية لمنع العبث الصهيوني في المنطقة وفي الداخل الايراني، وهذا ربما قد يكون ضمن إطار المشهد المتكامل الذي يخوضه محور المقاومة من فلسطين إلى الجنوب اللبناني وأيضاً في البحر الأحمر، ليأتي الموقف الإيراني استكمالاً ربما لما هو آتٍ بالتوازي مع المواقف الدولية المساندة للحرب على غزة في ظلّ استمرارية جرائم الحرب المرتكبة «إسرائيلياً»، بمعنى أنّ هذة الضربة المزدوجة للموساد وللتيارات التكفيرية مرتبطة ببعضها البعض وبالنسبة لإيران هي وجهان لعملة واحدة، لا سيما أنّ أميركا تستعملها لأهداف سياسية وعسكرية معينة،
أما دقة الصواريخ ومداها بأبعادها السياسية والعسكرية والميدانية، هي مؤشرات لوجستية أي المدى من إيران إلى إدلب هو ذات المدى من إيران إلى تل أبيب، ويحمل رسالة مهمة للكيان فحواها أنّ الكيان في مرمى الصواريخ الإيرانية الدقيقة في حال تمادى واستمرّ في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني وغزة،ومايقوم به من إبادة، وهذة المعادلة الذهبية ميزت طوفان الأقصى، أيّ كلّ محور المقاومة دخل في معادلة الصراع مع الكيان الإسرائيلي، وذلك من خلال ما نشاهده في الجبهة الشمالية وما يقوم به حزب الله مع جيش الاحتلال، وكذا ما يقوم به أنصار الله ضمن هذا المحتوى وما نراه من المقاومة الإسلامية في العراق باستهداف القواعد الأميركية، وأيضاً إيران التي هي جزء لا يتجزأ من محور المقاومة، وبالتالي كلّ هذا له دلالات استراتيجية رسمتها المقاومة بخطوط النار لتردّ الصاع صاعين بالحسم لكلّ من يعبث بأمن المنطقة، وربما قضي القرار في مواربة الردع والتحدي لأجل غزة ما لم يتوقف العدوان الإسرائيلي والحصار، وقالها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير لتكن حرب بلا أسقف…
هذا بالنسبة للمحور الكامل والمتكامل، أما بالعودة للرسائل الباليستية الإيرانية فهي ربما تجاوزت أبعاد الجغرافيا في المنطقة نظراً للواقع الإجرامي التي تديره الولايات المتحدة وربيبتها «إسرائيل» من حماية الموساد والعملاء المرتبطين والانفصاليين التي تستهدف المدنيين والشخصيات العسكرية في المنطقة وهذا برسم الشعوب العربية والإسلامية ككل في المنطقة والوطن العربي ليس فقط على مستوى أطراف محور المقاومة.