هل قرّرت واشنطن الضغط على سورية عبر الأردن؟
ناصر قنديل
– لا تمثل الغارات الإسرائيلية على دمشق، وما تخللها من استهداف قادة في الحرس الثوري الإيراني، تحوّلاً في مسار الحرب الدائرة أصلاً بين محور المقاومة وكيان الاحتلال، والتي أدرك الكيان مكانة سورية فيها كحضن وحصن لقوى المقاومة، يتمّ فيها وعبرها تصنيع وإمداد السلاح الى جبهات القتال في لبنان وفلسطين خصوصاً، وتتم فيها التدريبات النوعيّة والمناورات التحضيرية للعمليات الكبرى، وتنعقد عندها لقاءات تنسيق قادة قوى المقاومة المنضوية في المحور، ومستوى التصعيد في الغارات بطبيعة الاستهداف تتلاءم مع انتقال كيان الاحتلال الى التعويض بالعمليات الأمنية عن فشله العسكري في جبهتي الحرب الرئيسيتين، في غزة ولبنان.
– واشنطن هي صاحب الحرب ومديرها، ولا يغير من هذه الحقيقة كل الكلام الذي يفرح له الراغبون بالرهان على واشنطن، عن خلاف أميركي اسرائيلي، ليس أكثر من تعبير عن المأزق الذي يواجهه الشريكان، والذي قد يستدعي التضحية برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ككبش محرقة، لإنقاذ الكيان وأميركا ورئيسها انتخابياً. وهذا مخرج قد يجتمع عليه قادة الغرب وقادة الحركة الصهيونية للمناورة وكسب الوقت، وليس تعبيراً عن تموضع أميركي على ضفة خلاف مع كيان الاحتلال حول الأساسيات، فلا يغشنّ أحد الحديث الأميركي الغامض والمبهم عن شبح دولة فلسطينية، لا تتضمن التزاماً علنياً بأنها ستقام فوق غزة ومعها الضفة الغربية بعد إزالة الاستيطان منها، وسوف تكون القدس الشرقيّة عاصمة لها، كما يفترض أن أصحاب الأوهام يتوهمون، في خلفية الكلام الأميركي.
– أميركا عالقة في المأزق، وتدرك أن هزيمة الكيان هزيمة لها، ولذلك عندما تفكّر بالتضحية بنتنياهو فلكي تحمي الكيان من الهزيمة، وليس لتجعل الكيان يدفع ثمن هذه الهزيمة، ومعادلة الحرب الراهنة ليست لصالحها ولا لصالح الكيان، حيث تبدو غزة صامدة وتقاتل، وشعبها من تحت الحصار والركام والموت المفتوح يؤكد عزمه على الاستشهاد أو النصر، والمقاومة في غزة تثبت كل يوم أنها أعدّت العدّة لحرب طويلة، وأنها قادرة على إنزال المزيد من الخسائر بجيش الاحتلال، وأن ما لديها يكفيها لتقاتل شهوراً وشهوراً، بينما الجبهة الداخلية في الكيان تتفكك وتحكمها خسارة الحرب وقضية الأسرى، والجيش يدخل مرحلة الإنهاك والعجز عن مواصلة الحرب. وجاء فتح اليمن لجبهة البحر الأحمر ليضغط عداد الوقت الأميركي، ويضعه في مأزق دولي كبير، حيث يتحدّى اليمن قوة الردع الأميركية في مجال لا تستطيع التراجع فيه، وهو ادعاء هيمنتها على البحار والإمساك بالممرات المائية، والبحر الأحمر من أهمها، وقد صارت لليمن كلمة فيه تعادل وتعطل كلمة أميركا، وأميركا لا تقدر على الردع ولا التعطيل ولا التورط بحرب تعرف أنها ستكون أسوأ من حربي فيتنام وأفغانستان عليها وعلى جيشها.
– منذ مطلع العام وثمة ما يجري على الحدود الأردنية السورية، ويثير الريبة والشكوك، لأن حجم النشاط والجهد العسكري الأردني داخل الأراضي السورية وعلى الحدود أكبر من أن تفسّره ذريعة مواجهة شبكات تهريب المخدرات، والقصف الجوي ومشاركة الجيش الأردني بمعداته الثقيلة بعمليات قصف لساعات طويلة، واستهداف عمق محافظات الجنوب، وتواتر هذه العمليات بصورة شبه يوميّة بإعلان ودون إعلان، يطرح التساؤل عن مدى صلة ذلك بتوقيت حدوثه بعد طوفان الأقصى، وخصوصاً بعد تحرك البحر الأحمر، وكأن غرفة الموك التي أسسها الأميركيون في الأردن لإدارة جبهة الجنوب للحرب على سورية، قد عادت الى الحياة بعدما كان يفترض أنها ذهبت الى التقاعد منذ أعلن الأردن خروجه من الحرب على سورية وانخراطه في العلاقات الطبيعية معها، فهل تحولت جبهة الحدود الأردنية السورية الى واحدة من جبهات الحرب الأميركية على محور المقاومة؟ وهل قررت واشنطن تطويق سورية من كل الجهات بالنار، لتضغط أكثر وأكثر، إضافة للحصار الاقتصادي، تصعيد تركي وإسرائيلي وداعش إضافة للقصف الأميركي، واستدعت الأردن للمهمة؟ وهل من اللائق بالأردن القبول، وهو لا يطرد السفارة الإسرائيلية من أرضه ولا يوجه سلاحه نحو جيش الاحتلال فهل يرتضي أن يقاتل سورية الشقيقة، ولحساب أمن الاحتلال؟
– إذا كان الأمر يتّصل بالتهريب كما تقول البيانات الأردنية فلماذا لا يتم تفعيل الأطر التنسيقية مع الدولة السورية، ومنها لجان أمنية حدودية، يمكن عبرها تنظيم دوريات مشتركة لملاحقة النشاط الإجرامي، بدلاً من التصرّف بطريقة عدائيّة لا يمكن تصنيفها في هذا الظرف التاريخي لما بعد طوفان الأقصى إلا انخراطاً في حرب تريد واشنطن عبرها مقايضة تسوية على حساب موقف المقاومة، مقابل رفع الضغوط عن سورية؟