الحرب الإعلامية بالتوازي مع حرب غزة… تأثيرات وتحديات
د. حسن مرهج*
مع استمرار الحرب في غزة، يتبادر إلى ذهن المتابع ليوميات ومشاهد هذه الحرب ذات الأبعاد الإقليمية والدولية، تساؤلات تتعلق بتأثير السوشيال ميديا على المجتمع الدولي، وربطاً على الاقليم، ليكون السؤال كيف أثرت السوشيال ميديا على آراء المجتمع الدولي رغم القيود المفروضة على تلك الوسائل.
حقيقة الأمر فقد أثرت السوشيال ميديا بشكل كبير على آراء المجتمع الدولي حول حرب غزة، حتى مع القيود المفروضة على التغطية الإعلامية في بعض الحالات، لكن سمحت وسائل التواصل الاجتماعي للأفراد بمشاركة صور ومقاطع فيديو للأحداث المستمرة في غزة، والتي كانت تظهر الدمار الذي تسبّبت به الغارات الإسرائيلية وأضرارها على المدنيين.
ولا بدّ من التوضيح إلى أنّ السوشيال ميديا سمحت للنشطاء والمؤثرين بالتعبير عن آرائهم والتحدث عن القضية الفلسطينية وحرب غزة بحرية، وهو ما يمكن أن يؤثر على الرأي العام في دولهم. وقد شهدت منصات التواصل الاجتماعي حملات نشطاء ومؤثرين لدعم فلسطين والتنديد بالهجمات الإسرائيلية، مما أدّى إلى زيادة الوعي حول القضية في المجتمع الدولي.
بالإضافة إلى ذلك، تمكنت السوشيال ميديا من توفير منصات للحوار والنقاش حول القضية الفلسطينية مما أدى إلى زيادة الوعي حول المشكلة وتحفيز المجتمع الدولي على التحرك لإيجاد حلول لها. لكن وبالرغم من وجود بعض القيود على التغطية الإعلامية في بعض الحالات، إلا أن السوشيال ميديا ساهمت في توفير مصادر أخبار موثوقة ومستقلة حول الحرب في غزة، وهو ما ساعد على تغطية الأحداث بشكل أفضل.
الأمر الآخر، فقد كانت لفصائل المقاومة في فلسطين تغطيتها الإعلامية الخاصة، والتي تمكنت من خلالها نقل الواقع بطريقة فاعلة ومؤثرة، لا سيما تلك المواد المتعلقة بتصنيع الأسلحة وسير المعارك، فضلاً عن تصوير مشاهد استهداف الداخل الإسرائيلي، في هذا الإطار يمكن القول أنه كان للمواد الإعلامية التي بثتها فصائل المقاومة الفلسطينية تأثير كبير على سير المعارك العسكرية، فقد ساعدت هذه المواد في رفع معنويات المقاتلين والمدافعين عن غزة وتشجيعهم على الاستمرار في مواجهة القوات الإسرائيلية. وكما ذكرت، فقد ساهمت هذه المواد أيضاً في تبرير أفعال المقاومة الفلسطينية وإظهارها بأنها نضال مشروع ضدّ المشروع الإسرائيلي.
بالنسبة لاستهداف الداخل الإسرائيلي، فقد كان لهذه المواد تأثير كبير في نشر الرعب والخوف بين المدنيين الإسرائيليين، وخاصةً بعد تصاعد حدة الهجمات وزيادة عددها. ولقد أدّى هذا التأثير إلى زيادة الضغط على الحكومة الإسرائيلية من أجل وقف الهجمات والتوصل إلى حلّ سياسي للصراع.
حقيقة الأمر أن المواد الإعلامية التي تُنتجها الفصائل الفلسطينية يمكن أن تؤثر على عدة جوانب، بما في ذلك رفع معنويات المقاومة، وإشاعة الخوف والذعر في صفوف الجيش الإسرائيلي ونشر رسائل سياسية حول حق الفلسطينيين في تحرير أرضهم، والأهمّ هو التأثير على رأي الجمهور، لا سيما أن هذه المواد تؤثر على رأي الجمهور، سواء داخل فلسطين أو خارجها، حول صحة قضية فلسطين وشروع «إسرائيل» في حروب غزة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ استخدام الأغاني الإسرائيلية والكتابة باللغة العبرية في مقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي ومن قبل الفصائل الفلسطينية، كان له تأثير كبير على مشاعر وأحاسيس المواطنين الإسرائيليين، حيث أنها أظهرت قدرة المقاومة الفلسطينية على التغلب على الحواجز الثقافية واللغوية والنفسية، وتحويلها إلى نقطة ضعف في نفوس المواطنين الإسرائيليين.
ثمة تساؤل آخر، حول قدرة «إسرائيل» على ترويج أجندتها الإعلامية، لا سيما أنّ «إسرائيل» تعتبر متوفقة عالمياً في مجال الميديا، لكن طبيعة الوقائع في حرب غزة، تؤكد بأنّ «إسرائيل» ليست في أعلى هرم ملوك البروباغندا والدعاية الإعلامية عالمياً، حيث هناك دول وجماعات أخرى تستخدم البروباغندا والدعاية بشكل متقن، وفي ما يتعلق بحرب غزة، فإنّ نجاح أو انهزام القدرة على التأثير في وسائل الإعلام يعتمد على زوايا التغطية والتحليل المستخدمة من قبل المؤسسات الإعلامية المختلفة، ورغم ذلك لا يمكن القول بأنّ «إسرائيل» انهزمت في قدرتها على الدعاية والإعلام، فهي لا تزال تمتلك وسائل إعلامية واسعة النطاق وتعمل بجد لنشر رسائلها وصورتها الإيجابية. ومع ذلك، فإنّ حرب غزة شهدت تغييراً في المشهد الإعلامي، حيث تمكنت فصائل المقاومة الفلسطينية من نشر صور ومقاطع فيديو لضرباتها الناجحة وتصنيع أسلحتها المحلية، وأيضاً استهداف الداخل الإسرائيلي. كما أنّ الشبكات الاجتماعية ساهمت في توزيع هذه المواد بشكل واسع، مما أدى إلى تحول جزئي في صورة المواجهة الإعلامية بين «إسرائيل» والفلسطينيين.
في المحصلة، فإنّ الحرب الإعلامية تسير جنباً إلى جنب مع الحرب العسكرية وكذلك السياسية، واليوم مع تعدّد وسائل التواصل الاجتماعي، فإنه من غير الممكن تشويه الحقائق التي تحدث في فلسطين، ولا يستطيع العالم بأسره إنكار قدرة الفلسطينين على استثمار السوشيال ميديا في إيصال صوتهم وقدراتهم. من هنا يمكن القول بأنّ الانتصار وإنْ كان في أحد جوانبه سياسياً أو عسكرياً، لكن الانتصار الإعلامي يبقى مؤثراً وفاعلاً في استقطاب الجمهور والبوح له بحقائق ما يجري في فلسطين.
*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية.