إرهاب الدولة وعصابات الاحتلال وإنعكاسه على حقوق الإنسان
عباس قبيسي
يمكن تعريف إرهاب الدولة بأنه شكل من أشكال العنف أو الترهيب الذي تمارسه الحكومات أو الكيانات المؤقتة ضدّ المواطنين أو ضدّ دول أخرى، ويحدث ذلك عندما تستخدم الدولة من خلال قادتها أو قواتها الأمنية أو جيوشها الجرارة الإرهاب عمداً كأداة لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية أو أيديولوجية أو الاستيلاء على ممتلكات أصحاب الحق، ويهدف إرهاب الدولة إلى السيطرة على السكان أو التلاعب بهم من خلال التخويف والإكراه، وغالباً ما ينطوي على أعمال مثل القمع والتعذيب والقتل بعيداً عن أعين القضاء والاختفاء القسري والحجز والتوقيف الغير قانوني، مما يجعله شكلاً، أكثر قوة ومنهجية من أشكال العنف، حيث تمتلك الحكومات القرار وموارد السلطة لفرض عنجيهتها، فتنتهك حقوق الإنسان وتقوض المبادئ الديمقراطية للحرية والعدالة.
إن التكتيكات التي يستخدمها إرهابيو الدولة مصمّمة لخلق بيئة من الخوف والخضوع، والهدف منها زيادة السيطرة، ويمكن رؤية إرهاب الدولة من زوايا متعددة، مثل الأنظمة القمعية، أو الدكتاتوريات العسكرية، أو الحكومات التي تواجه صراعات داخلية أو تهديدات لسلطتها. وهناك نماذج عديدة حصلت خلال الحرب العالمية الثانية، وغير حقبة زمنية.
أمّا في حالة كيان الاحتلال «الاسرائيلي»، ونتيجة اعتراف قوى دولية كبرى به ورعايتها له، فإنّ جرائمه ينطبق عليها توصيف إرهاب الدولة، وكذلك إرهاب المجموعات والتنظيمات الإرهابية، أي انه يستخدم جميع صنوف الإرهاب انطلاقاً من طبيعة عنصرية عدوانية شرسة، فالحكومات الصهيونية المتعاقبة وقبلها العصابات الصهيونية المجرمة، ارتكبت مجازر عديدة في فلسطين المحتلة ولبنان، منها (مجزرة دير ياسين 1948 والتي استشهد فيها حوالي 250 شخص، كفر قاسم 49 شهيداً، صبرا وشاتيلا 1982 التي أدت إلى استشهاد نحو 4000 شهيد، قانا 1996 أكثر من 175 شهيداً تحت أعين قوات الطوارئ الدوليةـ، ومجازر غزة في 2023 و 2024 أكثر من 90,000 ما بين شهيد ومفقود ومصاب لغاية كتابة هذا المقال) حسب الإحصاءات الرسمية إضافة إلى المأساة المروعة الناتجة عن الشح في مصادر المياه الصالحة للشرب، ومنع وصول المساعدات الإنسانية من حليب الأطفال والغذاء والدواء عبر فرض الحصار، وانتشار الأوبئة والأمراض بما يمثل حكماً بالإعدام الفعلي، كونه شكلاً من أشكال الإبادة الجماعية التي ترتكبها «إسرائيل» ضد السكان المدنيين.
لم يعد من الممكن تجاهل ما يفعله الكيان الصهيوني، فبحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان «إن إسرائيل أسقطت أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة في إطار حربها واسعة النطاق المتواصلة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 2023.
ويستخدم الكيان الغاصب خليط يعرف بـ»آر دي إكس» (RDX) الذي يطلق عليه اسم «علم المتفجرات الكامل»، وتعادل قوته 1.34 قوة «تي أن تي»، هذا يعني أنّ المتفجرات التي ألقيت على غزة تعادل أكثر من 30 ألف طن». أليس غريباً، والبعض في غفلةٍ مُعرضون، أن يجتمع مجلس الأمن الدولي من جانب من يعلنون أنفسهم مدافعين عن حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب وهم أنفسهم الآن يذّبحون أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزة! وهم ذاتهم الَّذين يدعمون الإرهاب والإرهابيين الصهاينة بآلاف الأطنان من المتفجرات ويصدرون قراراً أممياً للدفاع عن أنفسهم وعن حلفائهم (حسب تعبيرهم)، وشحن الذخائر وكلّ ما يحتاجه جيش الاحتلال عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب لاستكمال الإبادة الجماعية والفتك بما تبقى من بشر وحجر، حيث نصّ البند الرئيسي في القرار على حق الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وفقاً للقانون الدولي، في «الدفاع عن سفنها من الهجمات، بما في ذلك تلك التي تقوض الحقوق والحريات الملاحية».
إن الدور الأساسي لإرهاب الدول هو “حماية مصالح النخب الرأسمالية، بمشاركة النخب الإقليمية في الحكم عن طريق خلق جوّ من الخوف والذعر”، وخير دليل ما يحصل في قطاع غزة وعلى طول الجبهة اللبنانية من قبل حكومة العدو الصهيوني المتطرفة وما يحصل من ضربات على اليمن في هذه الأيام هو انتهاك صارخ لكل القوانين، وفي هذا السياق انتقد نواب ديمقراطيون قرار الرئيس الأميركي بشن ضربات ضد اليمن من دون الحصول على موافقة الكونغرس، ووصفوها بأنها انتهاك للمادة الأولى من الدستور، التي تتطلب موافقة الكونغرس على أي عمل عسكري.
إنّ للإرهاب أسباباً ودوافع متعددة ومتنوعة منها السياسية والإقتصادية والمالية والسيطرة على مقدرات الشعوب، ولمكافحة إرهاب الدولة يجب بذل جهود كبيرة، من جانب الأمم المتحدة عبر تفعيل المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وعدم الاكتفاء بالموافقة عليها، بعيداً عن مصالح وأطماع الدول العظمى، ويجب أن تكون إلزامية لجميع الدول، حيث أنها الأداة الأكثر فعالية لدى المجتمعات لإدارة الصراع دون التذرع بالحرب، خاصة أنّ الأمم المتحدة وإن أمّنت الجانب النظري للحقوق، فإنها لا تؤمن الجانب العملي والتطبيقي.
وأتوجه بكلمة إلى الشعوب العربية علّها تستفيق من كبوتها، لا بدّ من التذكير بالرسالة التي أرسلها وزير خارجية أميركا السابق هنري كيسنجر إلى مناحيم بيغن رئيس حكومة العدو الصهيوني آنذاك عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1977 الذي كتب فيها، «لقد سلّمتُكَ أُمةً نائمة، خذْ منها ما تشاء قبل أن تفيق، واحرصْ على ألَّا تفيق، فإنها إن فاقت سوفَ تسترِدُّ خلال عامٍ واحدٍ ما فقدَتْهُ في مائة عام».
ختاماً، يجب أن تتضافر كلّ الجهود والطاقات وعلى الشعوب المتحرره في المنطقة والعالم مقاومة ومقارعة إرهاب الدولة الذي يمارسه الصهاينة بكل الوسائل المُتاحة ومنعهم من السيطرة على المُقدرات والمُقدسات وتهجير أصحاب الأرض، ودَعكم من تمتمات المنبطحين ولا تكونوا كقوم موسى عندما قالوا له «فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ» (سورة المائدة : 24) لأن على أكتافكم قضية بحجم الدهر.