مقالات وآراء

«القضم الاستراتيجي» وتحديات المرحلة

‭‬ نمر أبي ديب

ليس خافياً على أحد ثقل الموقف السياسي والقانوني الذي نادت به جنوب أفريقيا، وعملت بموجباته القانونية في محكمة لاهاي الدولية، والتي بغض النظر عن نتيجة المحكمة سجَّلت السياسة الأفريقية خطوة متقدمة على مسارين: الأول فتح كوة في جدار «الانتظام الأفريقي» ذات البوصلة الغربية، (الأميركية الفرنسية) تحديداً مع توفير سبل الخروج الآمن وحتى التكتيكي، لما تبقى من دول الاستزلام في «القارة السمراء»، تحت سقف الموقف الاستثنائي التي كشفت من خلاله السياسة الخارجية لحكومة جنوب أفريقيا، دول الانحياز العالمي في بداية حرب الحقيقة، التي تحدث عنها بإسهاب الرئيس بشار الأسد، وأيضاً في مراحل الكشف الإعلامي والقانوني عن ماهية الدموية الاسرائيلية، ومدى ارتباطها الجدي والوثيق بأبعاد الفكرة التي قامت بها وعليها استثنائية الكيان، ومشروع المستعمرة الاسرائيلية.
ثانياً «القضم الجغرافي» وانطلاقاً من استثنائية الدعوة التي تقدمت بها حكومة جنوب أفريقيا، ودورها المتقدم في تثبيت «قانونية الإدانة الدولية»، للسلوك الاسرائيلي كما الفعل الميداني في غزة، إذ تعتبر دعوة لاهاي سارية من حيث الحضور الاستراتيجي لدول السيادة العالمية وفق معادلتين: إرفاق الانتصار الفلسطيني الذي يتحدث عنه الاسرائيلي نفسه باعتراف دولي إقليمي عربي وآخر غربي.
ثانياً تظهير جبهة الرفض العالمية الغير مرحبة بسياسة «إسرائيل» ومجمل القوى الداعمة وحتى المؤيدة لعدوانها المستمر على غزة، إذ يتجلى في أبعاد المشهد السياسي أيضاً في استراتيجية القراءة الوجودية لبقايا السياسة الأحادية، التي تمثلها الولايات المتحدة الأميركية، البعد الحقيقي لمندرجات القضم الجغرافي، وأيضاً لمساحات النفوذ العالمية، الذي تعاني منها اليوم الولايات المتحدة الأميركية على أكثر من مستوى سياسي، وآخر عسكري، اقتصادي وحتى استثماري، ما يؤكد على تعدد المسارات والنواحي التي يمكن أن تتضمنها دعوة لاهاي القضائية في المراحل الحالية والمقبلة.
في سياق متصل وعلني شكلت المواقف السياسية التي أطلقتها وزيرة خارجية سلوفينيا تانيا فاجونن وأكدت من خلالها أن بلادها اعتزمت الانضمام إلى الدعوة التي رفعتها حكومة جنوب أفريقيا، ضد الاحتلال الاسرائيلي في محكمة «لاهاي» الدولية، شكلت فاتحة استثنائية، بالرغم من جملة المواقف الأوروبية «الغير مشجعة في هذا الشأن»، وخطوة متقدمة على مسار الاصطفاف العالمي الجديد، الذي بدأت نواته الأوروبية في الظهور والتشكل، انطلاقاً من مواقف سلوفينيا الحاسمة مروراً بدول الانتقاد الأوروبي الرافضة لحرب غزة (إيرلندا، وبلجيكا، واسبانيا، ومالطا… يضاف إليها لوكسمبورغ) ما يندرج في الشكل السياسي ضمن اطار «القضم الوجودي» الذي يحاصر ويهدد على أكثر من مستوى مساحات النفوذ الأميركي، وتلك حقيقة وجودية على الولايات المتحدة الأميركية التعاطي معها بواقعية سياسية حتى أمنية قبل فوات الأوان ووصول القوى الدولية إلى مراحل الانزلاق الكبير، والانتقال من مراحل القضم الجغرافي (مساحات النفوذ) إلى ما يشبه (الطوفان العالمي)، الرافض مع قرار الإدانة الدولية في محكمة لاهاي، أو بعدمه، الغطاء السياسي الذي تمتلكه «إسرائيل» وما زالت، والحديث يتناول حق النقض «الفيتو»، الذي توفره الولايات المتحدة الأميركي لكيان الاحتلال الاسرائيلي في مجلس الأمن، وأيضاً للشراكة العسكرية الأميركية الاسرائيلية في حرب غزة .
بالتزامن مع جلسات ومقررات محكمة العدل الدولية قد تكون التعابير الاستثنائية التي عملت على انتقائها كلير دالي النائبة في البرلمان الأوروبي، مقدمة أولى للحكم التاريخي الذي يتوقع ان تصدره محكمة الشعب الدولية في مراحل متقدمة من الصحوة العالمية، الأمر الذي لن يكون في مصلحة الولايات المتحدة الأميركية، ولا حتى في مصلحة مشروعها العالمي الذي يتداعى بهدوء على مسرح التعددية الدولية، وانطلاقاً من «غزة».
في الخلاصة، والكلام لـ كلير دالي، النائبة في البرلمان الاوروبي، (إسرائيل تخسر على الأرض، وأيضاً أمام محكمة الرأي العام العالمي ولن ينتهي هذا الأمر دون أن تصبح إسرائيل دولة منبوذة)، السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة هل يمكن للقوى الاقليمية كما الدولية الرافضة للمشروع الأميركي الاسرائيلي في المنطقة تحقيق وترجمة ما أدلت به النائبة في البرلمان الأوروبي بمعزل عن «تقويض الدور العالمي لأميركا؟ وتحقيق «القضم الجغرافي»، في مجمل مساحات النفوذ العالمية التي تشغلها اليوم الولايات المتحدة الأميركية .
يأتي كلام كلير دالي في سياق التأكيد الدولي على حتمية الادانة العالمية، (الشعبية على أقل تقدير)، إذا تعذّر لأسباب سياسية صدور «إدانة قضائية» للفعل كما السلوك الاسرائيلي.
ثانياً تثبيت مبدأ الخروج العالمي عن مسار التبعية الدولية التي كرّست في حقبات سابقة معادلة الأحادية القطبية، وهذا دليل إضافي على مبدأ القضم الجغرافي (مساحات النفوذ) الذي يرسم من خلالها النظام العالمي الجيد، خارطة التوازنات الدولية، بمعاير القوى الجديدة وأيضاً ضمن «الموازين الاستراتيجية» التي فرضتها وما زالت، نتائج الميادين المشتعلة في كل من أوكرانيا، غزة، وغيرها في المنطقة العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى