تمزيق السودان وسط تعتيم إعلامي تنفيذاً لخارطة العالم الجديد…
سارة طالب السهيل
الخيانة والتآمر على الوطن من داخل أبنائه وبالتعاون مع أعدائه وأصحاب الأجندات والمصالح والأطماع في أرضه وخيراته، من أصعب ما يمر به شعب السودان الحبيب أنه يدفع ثمناً باهظاً للصراع على السلطة من جانب، والأطماع الخارجية من جانب آخر.
هذا الثمن أزهق أرواح المدنيين الأبرياء وهجّر السكان بالملايين الى مصر، ونهب منازلهم والسطو على ممتلكاتهم من القوى المتصارعة من جهة ومن دول الجوار مثل أثيوبيا وغيرها من جهة أخرى.
ولأنّ النساء هنّ الأضعف فقد انتهكت حرماتهنّ وتعرّضت الكثيرات منهنّ للاغتصاب الجماعي وسط تغييب كامل للشرائع السماوية او الأرضية ومواثيق حقوق الإنسان وحقوق المرأة.
ومن بقيَ من السكان يعيش في هلع وخوف دائمين من ان يلقوا مصير أقرانهم السودانيين من التنكيل او الاضطرار لهجرة وطنهم أو اغتصاب نسائهم وسط غياب إعلامي يبدو أنه عن سابق قصد، فالمجازر تُرتكب بحق الشعب السوداني دون ان يهتز جفن للمجتمع الدولي الذي يتشدّق بحقوق الانسان، ووسط تكتّم عربي ملحوظ، وكأنّ إراقة دماء الشعب العربي الشقيق شيء لا يهمّهم ولا يعنيهم، وهو ما لا يمكن تفسيره سوى بالموافقة الضمنية على ما يجري في السودان تحقيقاً لأصحاب الأجندات والمطامع الخاصة لتمزيق هذا الوطن إلى دويلات، وكلّ صاحب أجندة يسيطر على دويلة منها وينهب خيراتها على حساب دماء أهلها الشرعيين.
فمنذ منتصف إبريل (نيسان) العام الماضي والسودان لم يعرف «طعماً» للأمن والسلام وقد تحوّل الى ساحة للإقتتال الداخلي بين قوات «الدعم السريع» بقيادة حميدتي والجيش السوداني في صراع تتداخل فيه أطراف عربية وخارجية ترى في السودان «بقرة حلوب» وقعت فكثرت سكاكين نحرها، وها هي المجازر تُرتَكب يومياً بحق الشعب السوداني الذي لا «ناقة له ولا جمل» في هذه الصراعات سوى كونه ضحية للأطماع والغدر وخيانة الأوطان.
فالكثير من السودانيين قد انقطعوا عن العالم بعد أن دُمّرت محالهم التجارية وصودرت أرزاقهم وصاروا رهناً للفقر والجوع مع انهيار القطاع الصحي والتعليمي، والأكثر من ذلك تعرّض للتهجير القسري والسرقة والاغتصاب والقتل العشوائي.
هذه الصورة المظلمة والمأساوية للواقع السوداني تكاد تضاهي مأساة الفلسطينيين في غزة المحاصرة من قوات الاحتلال الاسرائيلي، وللأسف فإنّ السودان صارت محتلة من قبل فئة ضالة من أبنائه تجرّدوا من إنسانيتهم وصاروا وحوشاً ضارية لا تعرف سوى القتل وتدمير الوطن والاستيلاء عليه وتفتيته بالتعاون مع الطامعين في هذا الوطن الطيب.
وبين جرائم قوات «الدعم السريع» المدعومة من إحدى الدول والموظفة لقوات «الجنجويد» لحرق السودان وتمزيقه وقتل أهله واغتصاب نسائه وتيتيم أطفاله وتجويعهم، وضعف موقف الجيش السوداني برئاسة عبد الفتاح البرهان في منع هذه الجرائم، جاءت كلمة السفيرة ليندا توماس غرين فيلد في جلسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول السودان في اغسطس الماضي (أب) لتعترف بقلة التغطية الدولية للوضع في السودان، رغم ما وصفته بالعنف العبثي في معاناة لا يمكن تصورها. مستعيرة وصف أحد الأطباء من الخرطوم: «جحيما حيا». هذا ما قاله.
وعرّت السفيرة ليندا توماس، غياب الإعلام عن هجرة ملايين الأشخاص وقتل المدنيين في الشوارع، وترك الأطفال يتامى، وإجبارهم على التجنيد، وتعرّضهم للعنف، والنساء لاغتصاب وحشي ومنع وصول المساعدات الإنسانية من طعام ومياه ودواء للمحتاجين.
واعترفت السفيرة توماس استناداً الى تقارير موثوقة بأنّ قوات
«الدعم السريع» والميلشيات المتحالفة قامت بارتكاب مجازر مستمرة وانتهاكات جديدة وعلى أساس العرق انتشر العنف الجسدي لشكل واسع النطاق، وأُحرقت المنازل ونُهبت القرى. وجرى تهجير عشرات الآلاف من الأشخاص وأجبروا على الفرار إلى تشاد المجاورة ودول أخرى.
كما طالبت بأنّ تتقيّد الأطراف جميعها بالالتزامات المنصوص عليها في القانون الإنساني الدولي بشأن حماية المدنيين ودعوة الأطراف المتصارعة لوقف هذه الوحشية.
للأسف هذه المناظر والجرائم التي ترتكب في السودان أعادتني للمأساة التي عاشها العراق ومن بعده سورية دون ان تقوم منظماتنا العربية بدورها في حماية أوطاننا مثل منظمة المؤتمر الإسلامي او جامعة الدول العربية وغيرهما، للأسف أوطاننا العربية تسلب منا بأيدي الخونة فيها ولا سلاح لنا سوى إعادة يقظة الضمير واستعادة الشرفاء مصادر القوة لتطهيرها من الأوغاد والفاسدين.