اليمن يفرض نفسه رقماً صعباً على الولايات المتحدة وحلفائها
رنا العفيف
القوات المسلحة اليمنية، الخصم الذكي لواشنطن التي تلجأ إلى وساطة الصين لوقف هجمات القوات اليمنية في البحر الأحمر، ولماذا تلجأ واشنطن تحديداً إلى وساطة والصين بشكل خاص، وما دلالات هذا اللجوء اللافت سياسياً؟
في ظلّ قراءة المشهد بشكل كامل كلّ يوم، بدءاً من فلسطين وما يحدث على الصعيد السياسي والعسكري، كلّ هذا أثر على الموقف الأميركي لأنه فقدَ شرعية المنطق السياسي دون أن يُدرك طبيعة التعامل معه بشكل مباشر عدا عن تراكم سياسة الأخطاء، وأيضاً التناقضات الكبيرة التي بدأت ملامحها تطفو على السطح، بأن الولايات لا تريد أن تتوسع دائرة الحرب ولا أن تفتح جبهات جديدة، ولكنها اليوم أمام جبهات قوية ومؤثرة كالعراق واليمن الذي أثبت قدراته وشجاعته من خلال إصراره على تنفيذ عملياته في البحر الأحمر، ما جعله خصماً ذكياً لواشنطن بشكل جدي وعملي مفعّل على الأرض من حيث القوة والسيطرة والتحكم.
تنقل صحيفة «نيويورك تايمز» عن لسان مسؤولون، أنّ الولايات المتحدة تحاول التأثير في قدرات اليمن ولكن المهمة ستكون صعبة لأنهم اتقنوا تكتيكات الحرب البريطانية فيه، أيضاً القيادة المركزية الأميركية جاء على لسان القائد جوزيف الذي أكد وجود مستوى من التطور في اليمن لا يمكن تجاهله، وهذا باعتراف الأميركي وقياداته وجميع أركانه بأن صنعاء على مستوى التحكم في سياق هجماتها بمعزل عن الاعتداءات الأميركية، دفع واشنطن إلى محاولة الاستنجاد بالصين للمساعدة في الضغط على القوات اليمنية،
أيضاً أكدت صحيفة «فايننشال تايمز» رفض بكين المطلب الأميركي الذي أثير مراراً وتكراراً، ما يعني بأنّ الصين لن تجري كما تشتهي الولايات المتحدة، وذلك استناداً لما نقله بلومبرغ عن مبعوث الصين لدى الاتحاد الاوروبي قوله إنّ هجمات اليمن هي امتداد لأزمة غزة والعمليات الأميركية والبريطانية على اليمن تزيد الأمر سوءاً وتجعل مجريات باب المندب أخطر على حدّ تعبيره،
ما يشي بأنّ لهذا اللجوء تداعيات لدى حسابات الولايات المتحدة في ظلّ توفير التغطية لحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة هذا من جانب،
أما الجانب الآخر وهو يتعلق باللجوء الأميركي إلى الصين والحديث عن وسطاء لوقف الهجمات وردع صنعاء بالعموم كما تقول الصحف الأميركية، وهذا دلالة واضحة على عمق المأزق الأميركي وهو بشكل كبير وفاضح، إذ هذه الورطة تؤكد من جديد الفشل الذريع كما جرت العادة في فيتنام وأفغانستان والصومال، وتلجأ إلى بكين للضغط على أنصار الله هو دليل عن العجز الأميركي وفشل حربها وعملياتها العسكرية والجوية والصاروخية، وبالتالي تبدو واشنطن فشلت في ردع صنعاء مجدّداً وشلت قدراتها العسكرية في تحشيد ما حشدته في البحار، مع الإشارة إلى عدم استفادتها من التجارب السابقة، وذهابها إلى شنّ عدوان على بلد ذي سيادة ولد من رحم الحرب الواسعة لتسع سنوات متواصلة، عزز قدرة اليمن واليمنيين على الصمود والحث الإنساني والوطني لكلّ قضية في دول عربية أخرى، تقف دائما إلى جانب شقيقاتها في المحن، وعلمت أنصار الله الكثير من أسرار الحرب العسكرية في موقع الجيو استراتيجي، تجاهل الأميركي هذا الأمر لذلك كلّ تلك الاستنتاجات أدارت الإدارة الأميركية ظهرها وتلقفت ما هو أشدّ من هذة الورطة، وتواجه ذلك على اعتبار أن قوتها ونفوذها لا تزال موجودة، وتتبنى الضربات ربما تعويضاً عن سياسة الردع الفاشلة في المنطقة، وبالتالي الحقيقة في واقع الأمر تقول بأن الغرب وفي مقدمها الولايات في مأزق كبير حتى لجأت إلى الصين، وراهنت على ان الصين تستفيد بشكل أساسي من الملاحة التجارية خاصة بشحنات النفط وتبادل التجارة، فاعتقدت أنها يمكن في ظل التراجع النسبي الذي حصل في الاقتصاد الصيني مؤخراً استئناف الحورات الأميركية علها تقنع الصين بسياسة ما وستكون مقتنعة لطالما هناك علاقات تتوسع بين إيران وروسيا وإيران والصين وربما يًضاف إليها كوريا الشمالية، وبطبيعة الحال تنظر الولايات إلى هذه الثلاثية على أنها محور الشر الجديد وتروّج لها على أنها أذرع للنفوذ الإيراني وتنظر إلى الوساطة من هذه النافذة متجاهلة قرار سيادة كل دولة منها.
لكن حسابات الصين مختلفة وهي تتعلق ربما بمبادرة الحزام والطريق وهي بطبيعة الحال لا تتأثر، وهي تنظر عملياً إلى التورّط الأميركي في ما تورطت فيه بالحرب مع اليمن وتشعر بأنّ لديها الكثير من البدائل أو الخيارات من خلال ما أسست له من شبكة تجارية عالمية عبر خطوط غير بحرية، ما يجعل الصين تتطلع إلى الأمر الجوهري واللافت على المستوى العالمي هو ما يجري في غزة وأن يتغيّر الموقف الأميركي لأنه سبب أساسي في تحرك كلّ الفصائل المساندة لغزة ليس فقط اليمن، في مقابل هذا أيضاً يبدو أنّ الولايات لديها الكثير من الأوراق للضغط على «إسرائيل» لوقف هذة الحرب ولكن لم يتخذ القرار بعد في ظلّ عدم تحقيق أي هدف أو إنجاز لها ولطفلها المدلل «إسرائيل»، ما يعني بأنّ الدعم الاميركي لـ «إسرائيل» المستمر هو استكمال للعدوان الإجرامي الإسرائيلي على غزة .
وبالتالي مآلات اليمني في خضمّ العدوان الأميركي والبريطاني المتكرر على اليمن، أربك حسابات واشنطن وحلفائها بدفع كلّ الطاقات والإمكانات لعدم ثني اليمن واليمنيين عن استكمال الهجمات ما لم يتوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، كما لهذا التصعيد دور في تعزيز الهدف الاستراتيجي اليمني في موقع الجيو استراتيجي، وإن كان على صعيد المواجهة أو استمرار اليمن في دوره التاريخي هذا الهادف إلى رفع الحصار عن غزة، كما يشكل حالة من الإسناد العربي في ظلّ غياب العرب، لذلك اليمن اليوم يقاتل ببسالة بمنطق القوة المرجوة والمطلوبة وبالأسلحة المتطورة وثبت معادلاته في مواجهة العدوان الأميركي والبريطاني ولا أعتقد بأنّ الوساطة ستجدي نفعاً في ردع صنعاء لأنّ الأسباب اليمنية واضحة كموقع جيوسياسي في ظلّ طوفان الأقصى، وكلما لجأت واشنطن إلى إجراء تكتيكي لردع صنعاء سيأتي بمفعول عكسي يرتدّ عليها وعلى حلفائها في هذة المنطقة.