جمال عبد الناصر أيقونة النضال العربي ضدّ الصهيونية والاستعمار
د. عدنان نجيب الدين
هو قائد ثورة الضباط الأحرار في مصر في 23 يوليو عام 1952 التي أدت الى خلع الملك فاروق عن العرش، وإنهاء الحكر الملكي الفاسد المتعاون مع الإنكليز والذي كان سبباً في هزيمة الجيش المصري في فلسطين عام 1948، ولد جمال عبد الناصر في 15 يناير عام 1918 وتوفي في 28 أيلول سبتمبر 1970،
في تاريخنا الحديث، خرجت الجماهير العربية في كل أنحاء الوطن العربي مرتين: الأولى يوم قدم استقالته عام 1967 بعد النكسة التي أصيبت بها الجيوش العربية اثر الهجمة الصهيونية، المدعومة أميركياً، على ثلاث دول عربية هي مصر وسوربة والاردن وأدّت الى احتلال أجزاء من أراضيها، وطالبته الجماهير بالعودة عن استقالته لمتابعة النضال وإنجاز التحرير فرضخ لإرادتها، ورفع شعار “ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة” وعمل من أجل وضع هذا الشعار موضع التطبيق بإعادة بناء الجيش المصري وتحديث أسلحته.
والمرة الثانية يوم وفاته المفاجئة التي أبكت كل إنسان حر، ليس في الوطن العربي فقط بل في العالم أيضاً…
لقد تآمرت عليه أميركا والغرب والصهيونية والرجعية العربية، فكانت هزيمة عام 1967 لكنه لم يستسلم، وقرر المقاومة، فخاض حرب استنزاف ضد جيش العدو استعداداً لحرب التحرير المقبلة لكن الموت فاجأه باكراً ولم يتسنّ له خوضها..
في عهد الرئيسين أنور السادات وحافظ الأسد قام الجيش المصري بالتحالف مع الجيش السوري بحرب تشرين التحريرية ضد العدو الصهيوني عام 1973، وحققا معاً إنجازين: عبور قناة السويس والسيطرة على الجولان السوري. لكن الرئيس المصري أنور السادات أوقف الحرب من جانب واحد بعد الدعم الأميركي الكبير للكيان الصهيوني، وهكذا، لم تستكمل حرب التحرير، بل حصل ما لم يكن بالحسبان، إذ ذهبت مصر منفردة إلى عقد اتفاقية صلح وسلام مع “إسرائيل” مقابل انسحابها من سيناء مع فرض شروط وقيود على الجيش المصري. وتركت سوربة لوحدها تخوض حربها مع الاحتلال إلى أن جرى اتفاق فصل القوات من دون تحرير الجولان ولا حل القضية الفلسطينية وعودة اللاجئين الى وطنهم الذي طردهم الصهاينة منه بالقوة.
يعتبر جمال عبد الناصر مؤسس نهضة مصر والأمة العربية في العصر الحديث. فأدرك انّ مقاومة الاستعمار والصهيونية والهيمنة الغربية على مصر وبلداننا العربية لا يمكن خوصها من دون تحرير الانسان أولاً من الأفكار الرجعية والاستغلال ومن الفقر والجهل والمرض.
وكان من إنجازاته تحرير مصر من الإقطاع وسيطرة الرأسمالية المرتبطة بالاستعمار.
وعمل على إنشاء قاعدة صناعية كبرى في مصر قامت بإنتاج الحديد والصلب والسيارات ومحركات الطائرات وأنواع من الأسلحة بما في ذلك الصواريخ إضافة إلى العديد من السلع الاستهلاكية في محاولة للاكتفاء الذاتي.
كما شيّد السدّ العالي الذي ساهم في توفير الكهرباء ومزيد من الأراضي الزراعية، وأقرّ الإصلاح الزراعي بتوزيع الأراضي على الفلاحين.
عمل عبد الناصر على محو الأمية وتأسيس نهضة تربوية شاملة من خلال دعمه للمدارس والجامعات والبحث العلمي وإرساء قانون التعليم المجاني في كافة المستويات.
كما أنه أنشأ المستشفيات وجعل الطبابة والاستشفاء مجاناً لكلّ الشعب المصري. وازدهرت في عهده صناعة الأدوية والتجهيزات الطبية.
أمم قناة السويس وأعادها الى مصر، وواجه العدوان الثلاثي الإسرائيلي البريطاني الفرنسي بشجاعة وإقدام وانتصر لشعبه في استعادة حقوقه المهدورة.
حقق أول وحدة عربية مع سورية بقيام الجمهورية العربية المتحدة،
ساند ثورة الجزائر وكل مقاومة عربية ضد الهيمنة الاستعمارية على بلادنا.
جمال عبد النصر هو رائد القومية العربية التقدمية.
كان همّه القومي الأول تحرير فلسطين وعاصمتها القدس الشريف. وهو القائل “لم تكن القاهرة في نظري يوماً أغلى من القدس”.
بالرغم من إطلاقه اللاءات الثلاث في القمة العربية في الخرطوم: “لا صلح لا اعتراف ولا مفاوضات”، أتى بعده من لم يحفظ الأمانة فكانت الهزيمة الكبرى باتفاقية كامب ديفيد التي أبرمت الصلح مع العدو..
كان عبد الناصر يطمح إلى تحرير الوطن العربي من الاستعمار، والى توحيد البلدان العربية لتصبح دولة عظمى لأمة عظيمة تملك من الطاقات البشرية والموارد الطبيعية والامكانيات الاقتصادية والتاريخ الحضاري العريق إضافة إلى موقعها الاستراتيجي بين ثلاث قارات ما يؤهّلها لتكون قوة عالمية كبرى، ولذلك كانت الهجمة عليه كبيرة من الغرب المتحالف مع الصهيونية والرجعية العربية.
كان عبد الناصر رمزاً للتحرر في العالم. فكان زعيماً عربياً وعالمياً، فأسّس مع الرئيس اليوغوسلافي تيتو ورئيس الوزراء الهندي نهرو حركة دول عدم الانحياز.
كان حاكماً نزيهاً وزعيماً شعبياً فريداً أحبّته الجماهير العربية من المحيط الى الخليج، تفانى في خدمة مصر والأمة العربية، ولم يستغلّ منصبه او سلطته ليكوِّن له أو لعائلته ثروة، وكان يكتفي براتبه وعاش عيشة متواضعة،
وعندما أراد تزويج ابنته اضطر لطلب قرض من أحد البنوك بعشرة آلاف جنيه لدفع تكاليف زفافها، ولم يقبل عرضاً من نائب الرئيس عبد الحكيم عامر بوضع جزء من ميزانية الجيش المصري بتصرفه بدل طلب قرض من البنك.
وأخيراً نقول: بقيت روح جمال عبد الناصر حية في وجدان وضمير كل عربي حر، برغم كل محاولات التشويه والتغييب عن الوعي العربي، وستبقى روحه تلهم الجماهير العربية في المقاومة المستمرة لتحرير ارض العرب من الاحتلال الصهيوني والهيمنة الامبريالية وتحقيق حلم الوحدة العربية الكبرى على أساس مفاهيم الحرية والعدالة الاجتماعية والعزة القومية.
واليوم، كم يحتاج عالمنا العربي وتحتاج فلسطين إلى زعيم مقدام مثل جمال عبد الناصر لينتشل أمتنا العربية من القعر الذي هي فيه ومن التخاذل الذي تبديه أنظمة دولها تجاه ما يحصل في غزة على أيدي الصهاينة المجرمين الذين يرتكبون مجازر وحرب إبادة بحق شعبها الابي الصابر المقاوم والمظلوم؟
ومع ذلك نقول: انّ أمتنا العربية والإسلامية لا ينقصها الرجال، فبالرغم من كلّ هذا الخذلان العربي والعالمي، نشأت المقاومات العربية والإسلامية في لبنان واليمن والعراق مدعومة من سورية والجمهورية الإسلامية في إيران اللتين تقفان وحدهما اليوم، من بين دول العالم، إلى جانب حق مقاومة شعب فلسطين في التحرير والعودة، وإيران هي الوحيدة، برغم العقوبات والحصار الذي فرض عليها لثنيها عن دعم شعب فلسطين، التي أمدّت مقاومته وكلّ مقاومة تصدّت للهيمنة الصهيونية والغربية بأسباب القوة السياسية والمادية بما في ذلك التسليح والتدريب والخبرات والتقنيات، وهذه المقاومات تتابع الطريق الذي شقته من خلال التضحيات الجسام وتتصدّى ببطولة وإباء لهذا العدوان الصهيوني البربري على شعبنا الفلسطيني البطل، هذا العدوان الذي بدأ منذ إنشاء هذا الكيان الغاصب العنصري والمتوحش قبل خمس وسبعين عاماً وراح يستشري كالسرطان في جسد الأمة العربية، لكنه سينتهي به الأمر إلى هزيمة نكراء تؤدي الى زواله بفضل شجاعة وثبات وتضحيات هؤلاء المقاومين الأبطال والأحرار، وسوف يصبح حلم تحرير فلسطين وإنهاء وجوده في منطقتنا العربية حقيقة واقعة عما قريب بإذن الله.