محور المقاومة لتسهيل النزول عن الشجرة
ناصر قنديل
لا يبدو محور المقاومة مهتماً بتوفير شروط خوض معارك جديدة في قلب الحرب التي أشعلها طوفان الأقصى، رغم وجود مطالبات حماسيّة بين أنصاره تنادي بـ “ضرب الحديد وهو حامي”، واستغلال مأزق الثنائي الأميركي الإسرائيلي لإنزال هزيمة بائنة تفرض منطقها على المرحلة المقبلة، ووجود أصوات موازية تريد بخلفية خبيثة للمعارك الجديدة أن تشوّش صورة النصر الحالي الذي تحقق. فالذي جرى في حرب طوفان الأقصى هو أن النصر تحقق في اليوم الأول، مع نجاح الطوفان بإسقاط الخرافة الإسرائيلية، الأمنية والعسكرية والشعبية والإعلامية، بالضربة القاضية، في عيون العالم والعرب والإسرائيليين أنفسهم. وكانت الحرب حرباً على هذا الانتصار. ويكفي محور المقاومة أن هذه الحرب على كل الجبهات فشلت في استعادة صورة القوة الإسرائيلية، بل جاءت معارك غزة لتعيد إنتاج صورة انتصار الطوفان بالمفرق بعد أن كسبت الحرب بالجملة. وبالتوازي فشل الأميركي في شلّ قدرة قوى المقاومة التي تملك قدرات ضاربة كبرى، خصوصاً حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن، على تظهير الدعم والإسناد لغزة، بل إن الأميركي وجد نفسه مضطراً في قلب هذه الحرب لفتح ملف انسحابه من العراق وسورية ووضعه على الطاولة، وهو يبحث اليوم عن عمل عسكري تحت شعار الردّ على عملية استهداف قواته على الحدود الأردنية السورية العراقية، علّ ذلك يمنحه صورة القوة التي أصيبت في الصميم، خصوصاً في البحر الأحمر.
يبدو أن محور المقاومة مستعدّ للذهاب أبعد من مجرد الزهد بمعارك إضافية يقول البعض إنها مضمونة النجاح، ويخشى هو من أن تتحول الى حرب استنزاف تكون أميركا شريكاً دائماً فيها لكيان الاحتلال، وتصبح استنزافاً على طرفي الحرب، فتضيع في قلبها صورة النصر المُنجز، دون أن تتوافر فرص حقيقيّة للمضي بها نحو منازلة فاصلة مع كيان الاحتلال، لا تبدو ظروفها السياسية العربية خصوصاً متوافرة. لذلك يبدو محور المقاومة مستعداً لمنح الأميركي والإسرائيلي سلماً للنزول عن الشجرة، والقبول بأن يكون النصر المُنجز متواضعاً، لأن النصر في أضخم حرب يمكن تخيّلها، قد تحقق، وليس للنصر وصف إلا بأنه نصر، ولا حرب بعد سوف تأتي في ظروف أشدّ قسوة على قوى المقاومة من الظروف التي رافقت هذه الحرب. والمنتصر في هذه الحرب هو منتصر دائم، ولذلك إذا كانت شروط انتزاع هذا النصر تستدعي مساعدة الأميركي والإسرائيلي على تجرّع الهزيمة، ولو بالتقسيط، فإن محور المقاومة مستعدّ لفعل ذلك.
هذا ما تقوله مقاربة الوضعين الأكثر حرجاً للأميركي والإسرائيلي، في غزة حيث التفاوض على صيغة لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، وفي العراق حيث التفاوض على الانسحاب الأميركي، ففي غزة تدرس قوى المقاومة بعناية وانتباه إمكانية الموافقة على صيغة هدنة قابلة للتكرار، لا تتضمّن إعلان وقف نهائي لإطلاق النار، انطلاقاً من تجزئة ملف الأسرى والحفاظ على عدد كافٍ من أسرى الاحتلال كماً ونوعاً للمرحلة الأخيرة التي يرتبط بها إعلان وقف إطلاق النار، والبحث في طبيعية الديناميكية التي سوف يطلقها مرور شهور من التهدئة في الحرب، والتي تبدو ديناميكية تكريس انتصار المقاومة على الضفة الفلسطينية، وديناميكية التفكك والانتخابات والمحاسبة على الضفة الإسرائيلية.
في العراق يبدو واضحاً أن مسار التفاوض بين الحكومة العراقية والقوات الأميركية قد تلقى مساهمة كبرى من المقاومة، تمثّلت بإعلان أحد أكبر فصائلها تعليق عملياته، بما يجعله شريكاً للحكومة ويمنحه الحق في مراقبة مسار التفاوض، ويمنح الحكومة ورقة قوة تفاوضيّة باعتبار أنها وفرت للأميركي ظرفاً أشد هدوءاً لانسحاب آمن نسبياً، بعيداً عن الضغط العسكري الذي يسبب له الإحراج، بما يتيح إخراج الانسحاب بأقل الخسائر كثمرة توافق بين الحكومتين الأميركية والعراقية، باعتبار أن المهمة أنجزت.
لا يبدو بعيداً عن تفكير إيران التي تمثل ثقلاً وازناً في حسابات وقرارات قوى محور المقاومة، التفكير بمعاقبة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، على قرار اغتيال القائدين الشهيدين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، ومقايضة هذا الدعم لفرص فوز الرئيس جو بايدن انتخابياً، كعرّاب لحلول وتسويات في المنطقة عشية انتخابات شديدة الحساسية والدقة، بانسحاب القوات الأميركية من العراق وسورية، وما لهذا الانسحاب من مفاعيل وتداعيات على الخريطة الجديدة للمنطقة.