كل الخيوط بيد الأسد
عامر نعيم الياس
منحت واشنطن مكاتب «الائتلاف المعارض» الموجودة على أراضي الولايات المتحدة الأميركية صفة بعثة دبلوماسية تتمتع بالحصانة، لكنها لا ترق إلى صفة سفارة للدولة السورية. إجراء جاء متصاحباً مع مطالبة أحمد الجربا واشنطن «بأسلحة نوعية وفعالة» لقتال الرئيس السوري بشار الأسد و«تغيير موازين القوى على الأرض» التي يبدو أن حمص ابتلعتها إلى غير رجعة في مشهد خروج «الثوار» المتوعدين بالقدوم إلى قصر الأمويين. خروجهم تحت رعاية الأمن السوري بـ«الباصات الخضراء» التي يعرفها السوريون جيداً ويدركون ما المقصود من تواجدها في صورة الخروج من حمص القديمة.
في موازاة هذا الاعتراف، تنشغل أوروبا بملف «جهادييها» في سورية والخوف من عودتهم إلى ممارسة طقوس حرية السلخ والذبح والتفجير ونشر ديمقراطية الدم على أراضيها، بدءاً من حملات إعلامية حول خطورة العودة، مروراً بخطة بريطانية وأخرى فرنسية وقبلها هولندية وربما ألمانية لمكافحة شبكات إرسال «الجهاديين» إلى سورية، وليس انتهاءً باجتماع وزراء داخلية تسع دول أوروبية «معنية بملف الجهاديين أكثر من غيرها من دول القارة» بحسب «لو فيغارو» الفرنسية، إلى جانب ممثلين عن الولايات المتحدة وتونس والمغرب وتركيا في بروكسل، اجتماع لوضع معايير مشتركة للحرب على ظاهرة «الجهاديين» «الكارثة الأخيرة في فخ الصراع في سورية» بحسب الصحافي الفرنسي المختص بشؤون الشرق الأوسط جورج مالبرونو.
إنها كارثة على أوروبا والولايات المتحدة، بحسب «نيويورك تايمز» الأميركية التي ترى أن «الهم الأكبر لإدارة اوباما، تحوّل سورية إلى أفغانستان أخرى» خصوصاً أن العشرات من قيادات القاعدة تركوا أفغانستان وأتوا إلى سورية «ليس فقط لتدريب الجهاديين على الأعمال داخل سورية، إنما من أجل أن تصبح سورية منصة انطلاق» بحسب ما قاله مدير الاستخبارات المركزية الأميركية جون برينان في شهادته أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب.
سيناريوات عدّة يناقشها وزراء داخلية أوروبا وتركيا والولايات المتحدة في بروكسل، تقوم على التالي:
ـ تعزيز التعاون الاستخباري بين أجهزة الأمن الأوروبية.
ـ مطالبة تركيا بضبط تدفق «الجهاديين» من أراضيها إلى سورية كونها تشكل «نقطة عبور» أساسية لـ«جهاديي» الغرب.
ـ تفعيل أدوات المراقبة ووسائلها داخل دول الاتحاد الأوروبي وتوفير كافة الامكانيات لتنفيذ الخطط الموضوعة لمكافحة الشبكات «الجهادية».
لن ندخل في مناقشة التوجهات الحقيقية والنوايا الغربية نحو الصراع في سورية على المدى المنظور، كما أننا لن ندخل في تقويم مدى جدّية قرن الخطط الموضوعة بالأفعال على مستوى الأزمة السورية ووقف الدعم البشري والمادي والتسليحي للميليشيات الدولية العاملة على الأرض السورية. لكن في سياق هذه الاجتماعات والخطط، ألا يجدر السؤال عن دور الدولة السورية التي صمدت وقاومت على مدى السنوات الثلاث الماضية من عمر التآمر المكشوف على سورية؟ أين دور الدولة السورية في عملية مكافحة الإرهاب داخل أوروبا والولايات المتحدة؟ هل من الممكن القيام بهذه العملية المركبة من دون التعاون مع الدولة السورية؟
وقع الغرب في المحظور، وعلى رغم أن خطواته في ملف مكافحة الإرهاب الآتي من سورية وفي سورية ليست جدّية حتى اللحظة، إلا أن مشهد الورطة الغربية في هذا الملف اكتمل، والعجز سيد الموقف في ظل عدم وجود إرادة سياسية لتغيير الاستراتيجية المتّبعة في إدارة الأزمة السورية. وفي سياق توضيح عناصر الورطة الغربية نقتبس عن جورج مالبرونو في «لو فيغارو» «عودة جحافل الجهاديين الأوروبيين على جدول أعمال مؤتمر بروكسل «إنهم مصدر قلق أساسي» تعترف وزيرة الداخلية البلجيكية جويل ميلكي، لقد عاد حوالى خمسين بلجيكياً و130 فرنسياً. وبالمجمل فإن آلاف الأوروبيين يمكن أن يعودوا من الجهاد، والخطورة تكمن في أن ينخرط بعضهم ممن تعرضوا لغسل الدماغ في العمل مباشرة سواء في بلجيكا أو إسبانيا أو حتى فرنسا، إن مراقبة هؤلاء تحتاج إمكانات مادية وموارد بشرية لا تستطيع أجهزة الشرطة المحلية توفيرها. وبحسب الوزيرة البلجيكية فإن ما وراء تعزيز التعاون المنشود بين أجهزة الاستخبارات الأوروبية، تبرز اليوم مشكلة وجود «قاعدة لتنظيم القاعدة على أبواب أوروبا»، مشكلة جديدة أفرزها النزاع السوري، الكل يعي الآن أنه في حال سقوط بشار الأسد فإن القاعدة ستستغل الفوضى لإقامة مناطق آمنة لها تمتد من شمال شرق سورية إلى غرب العراق، هذا يعني أنهم على مرمى حجر من أوروبا».
«الجهاديون» على مرمى حجر من أوروبا، وسيبنون قاعدة لهم في حال سقوط الأسد بما يمثله من رأس للدولة السورية، والولايات المتحدة خائفة من تكرار هجمات الحادي عشر من أيلول بحسب مدير مكتب التحقيقات الفدرالي، لكنها لا تعترف بالأسد بل تعزّز وضع الائتلاف المقيم على أراضيها وأراضي تركيا و تسعى «جاهدة من دون نجاح إلى تعزيز طريق ثالث في البلاد غير طريق الدكتاتور بشار الأسد والإسلاميين المتطرفين» بحسب تقرير آخر لـ«لو فيغارو».
السنة الماضية تواترت التسريبات الإعلامية والتأكيدات الأمنية الأوروبية عن إرسال الأجهزة الأمنية الأوروبية مبعوثين أمنيين للقاء نظرائهم السوريين من أجل مناقشة ملف مكافحة الإرهاب «دليل على المأزق المتزايد من الظاهرة الجهادية» وفقاً لمالبرونو، لكن مع بقاء «العلاقات السياسية مجمدة، كما لو أن الحرب على يجب ألا تمر بسورية!»، تساؤل يختم به الصحافي الفرنسي مقاله غامزاً من قناة الاستخفاف الأوروبي الأميركي في التعامل مع الملفات الناشئة عن الأزمة السورية، محاولاً القول: إذا أراد الغرب العودة إلى الاستقرار ومعالجة ما نشأ من جرّاء سياساته في سورية، فإن عليه العودة إلى من يملك خيوط اللعبة بيده، عليه التعامل مع الرئيس بشار الأسد سياسياً قبل أن يكون أمنياً.
كاتب سوري