واشنطن وتل أبيب تسابقان الوقت قبل الاتفاق بعمليات اغتيال من بنك الأهداف/ الرياض والقاهرة والدوحة وأبوظبي وعمان لتنسيق المشاركة في آليات الاتفاق/ الوفد الفرنسي في بيروت لسيناريو اليوم التالي لاتفاق غزة… وتعيين رئيس أركان
كتب المحرّر السياسيّ
اتفاق غزة يبدو وقد صار أمراً محسوماً يحتاج إلى الوقت لبلورة خطواته النهائية، والوقت المفترض وفقاً لمصدر متابع لمسار التفاوض بين أسبوعين وستة أسابيع، يتوقع أن تشهد مزيداً من التصعيد والضغوط في إطار التجاذب المتبادل لتحصين المكاسب على ضفتي الحرب، وضفاف الحروب الرديفة في جبهات لبنان والعراق والبحر الأحمر. وقالت المصادر إن الجانب الأميركي الإسرائيلي لم يعد قادراً على المضي بحرب فاشلة لا جدوى من مواصلتها، وقد صارت خسائرها أكبر من عائداتها المتوقعة، طالما أنها لن تنتهي باجتثاث المقاومة او بتحرير الأسرى دون تفاوض، وطالما أن حماس سوف تكون القوة الممسكة بالأرض في غزة عندما تنتهي الحرب ولو استمرت بعد لشهور إضافية، والتفاوض معها سوف يكون أمراً إلزامياً لتحرير الأسرى، لذلك فإن الضغوط الأمنية والعسكرية والحديث عن عملية اجتياح لرفح، هي حروب نفسيّة لتعديل موازين التفاوض وتخفيض سقف المطالب. بينما على جبهات العراق ولبنان واليمن فإن العمليات الأمنية خصوصاً هي استنفاد لبنوك الأهداف، طالما أن خطر الانزلاق الى الحرب الكبرى لم يعد قائماً.
في هذا السياق، وضعت مصادر عسكرية الغارات على اليمن في إطار استهدافات يأمل الأميركيون أن تصيب البنى التحتية الصاروخية لأنصار الله. بينما وضعت المصادر عمليات الاغتيال التي نفذها الأميركي في العراق وتلك التي نفذها الإسرائيليون في لبنان في إطار استنفاد بنوك الأهداف التي تصيب بنية المقاومة البشرية بالأذى، ويمكن لآثارها أن تكون أبعد من هذه الحرب، على خلفية الاطمئنان إلى أن خاتمة الحرب تقترب.
في سياق الاستعداد لمرحلة اتفاق غزة، ينعقد في الرياض اجتماع يضمّ وزراء خارجية مصر وقطر والأردن والإمارات والسعودية لتنسيق الأدوار والمسؤوليات في إطار آليات تنفيذ الاتفاق، التي قال مصدر دبلوماسي إنها تتوزّع على محاور، سياسية ومالية وأمنية. وفي المحور المالي ستحمل السعودية وقطر والإمارات مسؤولية الإغاثة وتمويل الإيواء الفوري والمساعدات الإنسانية ومن ثم خطة إعادة الاعمار، مقابل محور سياسي يجب أن يسير بالتزامن مع عملية إعادة الإعمار خلال ثلاث سنوات، ينتهي بالإعمار وقيام الدولة الفلسطينية، وتتخلله مساعي توحيد القوى الفلسطينية وإجراء انتخابات نيابية ورئاسية بعد تشكيل حكومة تكنوقراط توافقيّة تدير المرحلة الانتقالية؛ أما المحور الأمنيّ الذي سوف تتولاه مصر والأردن بدعم سعودي إماراتي قطري، فيقوم على تسلم المنطقة الأمنية التي تنتشر فيها قوات الاحتلال على أطراف غزة، وتكون شريكاً بصيغة إدارة المعابر.
لبنان ليس بعيداً عن مسار ما بعد حرب غزة، حيث قال مصدر متابع لزيارة الوفد الفرنسي الأمني والدبلوماسي الى بيروت، أن الحديث يدور على اليوم التالي لبدء تطبيق اتفاق غزة، بعدما اقتنع الوسطاء وخصوصاً الجانب الفرنسي باستحالة البحث بترتيبات على الحدود اللبنانية قبل وقف الحرب على غزة. وقال المصدر إن مناقشات الوفد الفرنسي حول القرار 1701 تتم تحت عنوان التطبيق النسبي للقرار باعتبار أن التطبيق الكامل دونه عقبات إسرائيلية وأخرى لبنانية. ووضعت المصادر تعيين رئيس أركان جديد للجيش اللبناني في إطار استكمال العدة اللازمة لمرحلة ما بعد اتفاق غزة والمنتظر أن يولد خلال أسابيع.
وسجلت الجبهة الجنوبية ارتفاعاً في وتيرة التصعيد الإسرائيلي وتجاوزاً جديداً لقواعد الاشتباك باستهداف مدينة النبطية للمرة الأولى منذ 8 تشرين الأول الماضي ومنذ عدوان تموز 2006، أراد العدو الإسرائيلي من خلالها وفق مصادر سياسية ومطلعة على الوضع الحدودي لـ»البناء» توجيه رسالة لحزب الله بأن جيش الاحتلال على جهوزيّة لتوسيع الحرب ضد لبنان إذا لم تنجح الجهود الدبلوماسية، لا سيما أن استهداف النبطية جاء بعد إبلاغ الحكومة اللبنانية الموقف الرسمي للمبعوثين الدوليين لا سيما الأوروبيين الذين زاروا لبنان مؤخراً برفض تطبيق القرار 1701 من جانب واحد ورفض المطالب والعروض الإسرائيلية في الملف الحدودي. كما ربطت المصادر التصعيد الإسرائيلي بتأجيل الموفد الأميركي أموس هوكشتاين زيارته التي كانت متوقعة الى لبنان بعد زيارته «إسرائيل»، ما يشي بأن المفاوضات بين لبنان و»إسرائيل» لا تزال معقدة لا سيما أن حزب الله رفض البحث بأي مقترحات قبل توقف العدوان على غزة. كما جاء التصعيد الإسرائيلي بالتزامن مع تصعيد أميركي في العراق باغتيال قياديين في المقاومة العراقية، ما يخفي توجهاً أميركياً – إسرائيلياً بالتصعيد المتعمّد غداة تسليم حركة حماس باسم المقاومة الفلسطينية الردّ على ورقة الإطار في مفاوضات باريس. ويهدف هذا التصعيد إلى الضغط على محور المقاومة وتحسين ظروف التفاوض لتحقيق مكاسب أكبر لـ»إسرائيل» ودفع حركة حماس إلى التنازل عن مطالبها وملاحظاتها على ورقة باريس التي قال عنها الرئيس الأميركي جو بايدن بأنها مبالغ فيها.
وكان جيش الإحتلال الاسرائيلي شنّ غارة جويّة من مسيّرة، استهدفت سيارة في مدينة النبطية قرب تمثال حسن كامل الصباح، في جنوب لبنان، ما أدّى الى استشهاد شخص وجرح آخرين.
في المقابل ردّ حزب الله على الاعتداءات الصهيونية على القرى والمدنيين وآخرها العدوان على مدينة النبطية باستهداف قاعدة ميرون الجوية بصواريخ «فلق» و»ثكنة برانيت بالأسلحة الصاروخيّة وأصابها إصابةً مباشرة»، و«مقر قيادة اللواء الشرقي 769 التابع لفرقة الجليل 91 في ثكنة كريات شمونة بالأسلحة المناسبة، وموقع الرادار في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة وتم تحقيق إصابات مباشرة».
ونشر الإعلام الحربي في «حزب الله»، مشاهد من «عملية استهداف المقاومة الإسلامية ثكنة بيرانيت عند الحدود اللبنانية الفلسطينية».
وأعلنت إذاعة جيش الاحتلال عن «إصابة ضابط وجنديين في استهداف حزب الله قاعدة عسكرية في كريات شمونة». وزعم «أننا قصفنا بالمدفعية مصادر قذائف أطلقت من لبنان باتجاه المطلة وجبل الشيخ وكريات شمونة».
وواصل المسؤولون الإسرائيليون التعويض عن فشلهم الميداني في غزة وتآكل هيبة الردع لجيش الاحتلال، بإطلاق المواقف الإعلامية الاستعراضية لرفع معنويات جيشهم ومستوطني الكيان المنهارة. وزعم قائد سلاح الجوّ الإسرائيلي تومر بار، خلال «مؤتمر الشّؤون العملياتيّة لسلاح الجو»، أنّ «حزب الله سيستمرّ في دفع الثّمن، من خلال فقدان منظوماته متباهياً بأنّ «عشرات الطّائرات تحلّق حاليًّا في سماء جنوب لبنان، وبمجرّد ورود الأمر ستصبح مئات الطّائرات الّتي تنفّذ المهام خلال دقائق معدودة من لحظة استنفارها».
على الصعيد الدبلوماسي، يصل وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان الى بيروت اليوم وفق ما أعلن السفير الايراني مجتبى أماني عبر منصة «اكس».
وعقب مغادرة وزير الخارجية الفرنسي لبنان، حط وفد فرنسيّ ضم المدير العام للشؤون السياسية في وزارة الخارجية فريدريك موندوليني، المدير العام للعلاقات الدولية والاستراتيجية في وزارة الدفاع أليس ريفو، نائب مدير شمال أفريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية ايمانويل سوكه والسفير الفرنسي هيرفيه ماغرو. واستهلّ جولته بلقاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في السرايا. وأشار السفير ماغرو الى ان «الزيارة هي متابعة لتلك التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، وطرحنا خلالها أفكارنا بشأن الوضع في جنوب لبنان».
كما استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة الوفد الفرنسي، بحضور مستشاره محمود بري حيث تناول البحث الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة في ضوء مواصلة «إسرائيل» عدوانها على لبنان وقطاع غزة. وأكد الرئيس بري للوفد الالتزام بتطبيق كامل للقرار 1701 كما شدد على ضرورة تعزيز الجيش اللبناني عديداً وعدة والتعاون مع قوات اليونيفل.
والتقى موندوليني والوفد المرافق وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب في الوزارة. وأشار بوحبيب الى ترحيب لبنان بالمتابعة الفرنسية للأوضاع في الجنوب، ورغبة فرنسا بالمساعدة على إيجاد حلول تعيد الهدوء والاستقرار الى المناطق الحدودية، مشدداً على المقاربة الشاملة وغير المجتزأة لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي ١٧٠١، بما يحصن السلم والأمن الإقليميين.
في غضون ذلك، شهدت السراي الحكومية جلسة خاطفة لمجلس الوزراء تمّ خلالها تمرير تعيين اللواء حسان عوده رئيساً للأركان بعد ترقيته من رتبة عميد إلى لواء من دون تعيين العضوين الشيعي والأرثوذكسي، وذلك من خارج جدول الأعمال.
واللافت أن التعيين جاء بطريقة التهريب وفق ما قال أكثر من مصدر وزاري، ومن خارج جدول الأعمال ومن دون الإعلان عن الآلية القانونية والدستورية المعتمدة. إلا أن أوساط السرايا أوضحت لـ»البناء» أن الفتوى القانونية والدستورية اعتمدت على أنه بسبب غياب وزير الدفاع الوطني عن الجلسة وعدم تقديمه أسماء لمجلس الوزراء لمنصب رئيس الأركان، يمكن لمجلس الوزراء الحلول مكان الوزير وإجراء هذا التعيين للحفاظ على استمرارية المرفق العام وعمل المؤسسة العسكرية لاستكمال ما قام به مجلس النواب بالتمديد لقائد الجيش الحالي وذلك لإبعاد شبح الفراغ عن المؤسسة العسكرية وتحصينها.
وأشارت مصادر وزارية لـ»البناء» الى أن الرئيس ميقاتي وخلال مناقشة مجلس الوزراء لملف رواتب القطاع العام وخاصة العسكريين المتقاعدين، أبلغ الوزراء بأنه تمّ تعيين عودة رئيساً للأركان من دون أي شرح إضافي، وحتى لم يعرض الأمر على التصويت، وعندما تمّت مراجعته من أكثر وزير عن الآلية القانونية، رفض الاستجابة وتابع الكلام في موضوع آخر. كما اعترض أحد الوزراء وطرح عليه أسماء أخرى تستحق تعيينها بهذا المنصب لكن ميقاتي رفض أيضاً.
وسُئل وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم عن التعيين، فاكتفى بالقول: «مخالفة دستورية وقانونية جديدة ارتكبها رئيس الحكومة تضاف الى سلسلة مخالفات وتجاوزات ترتكب منذ بدء الشغور الرئاسي، وسيُبنى على هذه المخالفة ما يقتضى لحماية المؤسسة العسكرية من التجاوزات التي تستهدفها في وقت يُفترض أن تبقى بعيدة عن المحاصصة والمحسوبيات وتسديد الفواتير السياسية».
ونفى الوزير سليم أن يكون اقترح أي أسماء للتعيينات العسكرية انسجاماً مع رغبة عارمة رسمية وسياسية وروحية بعدم إجراء أي تعيين في الوظائف الشاغرة في غياب رئيس الحمهورية، وقال : المؤسف أن رئيس الحكومة كان في طليعة الرافضين للتعيينات في ظل الشغور الرئاسي».
وعلمت «البناء» أن الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية تلى قرار التعيين. حيث انتقلت الأوضاع الصاخبة خارج السراي الى داخل القاعة حيث استعان بعض الوزراء بملالات الجيش والقوى الأمنية للدخول الى السرايا بسبب قطع الطرقات المحيطة بالسراي من قبل العسكريين المتقاعدين. كما حاول وزير المهجرين طرح ملف النازحين السوريين على النقاش، إلا أن ميقاتي أعلن رفع الجلسة ووعد الوزراء بعقد جلسة السبت المقبل لمناقشة ملف العسكريين المتقاعدين والنازحين السوريين.
وكان محيط السراي الحكومي شهد توتراً بسبب التحرّك الذي نظّمه العسكريون المتقاعدون مطالبين بإنصافهم، تزامناً مع جلسة لمجلس الوزراء. وأعلن ميقاتي عن عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء السبت المقبل ستخصص للبحث في أوضاع العسكريين المتقاعدين وموظفي القطاع العام، مضيفاً «نحن حريصون على حقوق كافة المواطنين». كما تمّ التصديق خلال الجلسة على نشر موازنة العام 2024 وستكون فوراً موضع تنفيذ.
وشنّ رئيس «التّيّار الوطني الحر» النّائب جبران باسيل، هجوماً عنيفاً على ميقاتي، وأشار إلى أنّ «8 شباط 2024، هو اليوم الّذي نَحرت فيه حكومة مستقيلة دستور الطائف. مَن اقترح على الحكومة المستقيلة تعيين موظّف فئة أولى من دون الوزير المعني، هو قد اغتصب صلاحيّةً دستوريّةً تعود لوزير الدّفاع وفقًا للمادّة 66 من الدستور، وهذا جرم جنائي معاقَب عليه بالاعتقال لمدّة لا تقلّ عن سبع سنوات؛ وفقًا للمادّة 306 من قانون العقوبات».
وشدّد في بيان، على أنّه «كذلك مسؤول عن أفعاله الجنائيّة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرّؤساء والوزراء، وفقًا للمادّتَين 70 و71 من الدّستور. لنرى إذا كان هناك 26 نائبًا، على الأقل، وخاصّةً من الّذين يطالبون بالتّغيير وبدولة القانون، مستعدّين لتقديم طلب اتهام بحقّه؛ بموجب عريضة تقدّم للمجلس النيابي وفقًا للقانون 1990/13».
وأكّد باسيل أنّ «من البديهي أيضًا أن يقدَّم طعنٌ أمام مجلس شورى الدولة بهكذا قرار، وبهكذا مرسوم صادر دون توقيع الوزير المعني. ومن الطّبيعي أن يُقبل الطّعن ويتمّ وقف تنفيذ القرار فورًا وإلغاؤه، وإلّا ما معنى أن يكون هناك دستور وقانون وشورى دولة؟».
لفت إلى أنّ «رئيس الحكومة الّذي قدّم الاقتراح قد ذبح الطّائف، والوزراء المشاركون أعلنوا وفاته اليوم، وكلّ من غطّى هذه العمليّة بالقبول المبطّن أو بالسّكوت هو شريك في الجريمة». وخاطب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، قائلًا: «السّطو على صلاحيّات الرّئيس، هو كالسّطو على المال العام، وهذا حرام»، ومعتبرًا أنّ «الجريمة ليست فقط قتل إنسان بالسّلاح، الجريمة الأكبر هي قتل وطن بالدستور. 8 شباط 2024، أنتم قتلتم دستور الطّائف».