«الحزام الأمني»… هل يعود من جديد؟
د. محمد عيسى
صور ومصطلحات عاد أهالي الشريط الحدودي في جنوب لبنان يستحضرونها في ظلّ مجريات الحرب القائمة على المنطقة الممتدة من الناقورة إلى مرتفعات شبعا. أيّ ما يقارب 60 بلدة كان يُطلق عليها منطقة «الحزام الأمني» أو «الشريط الحدودي». أما اليوم بات يُطلق عليها اسم منطقة الاشتباك او العمليات.
كان الخروج من تلك المنطقة إلى الأراضي المحتلة يحكُمه العدو بالحصول على تصاريح للعبور من ما كان يسمّى بـ «الإدارة المدنية» عبر المعابر التي تقيمها سلطة الاحتلال عند المنطقة الفاصلة بين قرى «الشريط الحدودي» والقرى المحررة، كان يعمد المحتلّ إلى إجراء رقابة أمنية مشددة على دخول المدنيّين وخروجهم من وإلى «الحزام الأمني».
يستحضر أهالي الشريط هذا المصطلح لدلالته على الواقع الذي كان يفرضه الاحتلال «الإسرائيلي» على طول حدود فلسطين المحتلة، ليُقاربه بالواقع الحالي الذي تحاول فرضه «إسرائيل» مجدّداً، دون أن تعلن عن ذلك بشكل واضح ومباشر، هذا التكتيك ما هو إلا محاولة لإعادة فرض واقع أمني جديد لمنطقة عازلة بعمق 10 كلم كما أعلن، وبفعل القصف المدفعي والجوي تحويلها الى منطقة شبه خالية من السكان، ويستهدف فيها مواقع المقاومة ومجاهديها، ساعياً من وراء ذلك تأمين الأمن لمستوطني الشمال وحدوده، هذا ما لا يقدر العدو على تحقيقه رغم إعلانه عن هدفه الممثل بإبعاد المقاومة. فذلك غير ممكن كون هذه الأخيرة ما هي إلا من نسيج اجتماعي لأهالي القرى.
في المقابل وضمن المعادلات القائمة لا يمكن ان تسمح المقاومة لمستوطني الشمال بالعودة طالما أهالي القرى الحدودية خارج بلداتهم.
واقعاً ما يسعى اليه العدو عبر الوسطاء بإقناع الطرف اللبناني بوجوب إبعاد حزب الله بعمق 10 كلم أمر غير قابل للتحقيق ربطاً بعدم إمكانية إبعاد شعب بكامله عن أرضه، فالمعادلة واضحة: إبعاد أهالي الشريط الحدودي يقابله إبعاد مستوطني الشمال، مع فارق انّ ابن الجنوب هو ابن الأرض والمستوطن جاء من بلاد مختلفة ليقيم في شمال الكيان، فالرابط لإبن الجنوب بأرضه عضوي، بينما المستوطن هو على عكس ذلك.
في غزة تعمد سلطة الاحتلال إلى اعتماد الأسلوب نفسه الذي كان مُتّبعاً في لبنان إبان الاحتلال لجهة خلق منطقة أمنية عازلة على طول حدود قطاع غزة بعمق كيلومتر ونصف، ومحاولاته تقسيم القطاع إلى مربعات ثلاثة أو أربعة لجعلها جزراً أمنية تخضع لرقابة الاحتلال دخولاً وخروجاً على أهالي القطاع. إلا أنّ ذلك يتطلب إيجاد ما أطلقت عليه سلطة الاحتلال تسمية «إدارة تكنوقراط»، وهي عملياً لا تختلف عما سُمّيت في لبنان بالإدارة المدنية يتولاها عملاء كـ أنطوان لحد وذيوله.
من المفترض أن يكون اليوم التالي للحرب بالنسبة لسلطة الاحتلال هو كيف ومن سيتولى حكم قطاع غزة، وهذا لم يتبلور بعد في الدول التي تدير المفاوضات أيّ قطر ومصر وأميركا. بطبيعة الحال هذا الواقع المُفترض لم تقبل به حماس، لذلك يستمرّ العدو بحربه الهمجية لفرض هذا الواقع بقوة النار.
من الثابت أنه لا يمكن لأحد أن يقضي على شعب بكامله فحماس هي جزء من هذا الشعب الذي سيبقى يقاوم الاحتلال في ايّ واقع يحاول فرضه العدو خارج إطار التوصل إلى حلّ عبر المفاوضات.
أخيراً لا يمكن اعتماد نفس الفرضية أو خلق نفس الوقائع، وتتوقع نتيجة مغايرة. فإسقاط ما كان من تدابير «إسرائيلية» في لبنان إبان الاحتلال على قطاع غزة يحتم نفس النتيجة أنّ الأرض لأهلها مهما قست آلة القتل والعدوان…