عُمان: سلطنة صغيرة وأفعال كبيرة
راسم عبيدات
رغم أنّ سلطنة عُمان عضو في مجلس التعاون الخليجي، إلا أنها تميزت عن بقية أعضاء مجلس التعاون بثبات سياستها الخارجية، سياسة تقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وعدم السماح كذلك بالتدخل في شؤونها الداخلية.
تقوم رؤية السلطنة لحلّ الصراعات والخلافات بين الدول أو القوى المتصارعة والمتحاربة على أساس التفاوض وليس الحلول العسكرية، وهي تبقي على المسافة نفسها بين الأطراف المتنازعة، ما يؤهلها للعب دور في حلّ النزاعات. وانطلاقاً من هذه الاعتبارات، يبدو أنّ العاصمة مسقط مرشحة لاستضافة لقاء سعودي ـ يمني للخروج بحلّ سياسي بعد العدوان الذي شنته السعودية على اليمن.
استطاعت عُمان بفضل حنكة قيادتها، وخصوصاً وزير خارجيتها يوسف بن علوي أن تشكل عنواناً وقاسماً مشتركاً للكثير من الأطراف العربية والإقليمية والدولية المتصارعة، كمكان مقبول للتفاوض، فهي لم تكن طرفاً في عملية التحريض وتأجيج الصراع المذهبي السني ـ الشيعي الذي جيشت له السعودية وقطر ضدّ إيران وحزب الله، فقد دفعت السعودية مليارات الدولارات للعديد من الدول من أجل ثني الولايات المتحدة عن توقيع اتفاق مع طهران في شأن برنامجها النووي، لكنّ عمان بقيت بمنأى عن هذا الصراع محافظة على علاقات متميزة مع إيران. هذا الموقف جعل مسقط محط ثقة طهران وواشنطن لقيادة حوار سري بينهما على أرضها، فيما يتعلق بالبرنامج النووي، وقد اتهمت الرياض واشنطن بإدارة حوار مع طهران من خلف ظهرها، أما مسقط فلم تعر اهتماماً لردة الفعل السعودية عندما أعلن عن الحوار.
لم تتورط مسقط في الحملة الخليجية على حزب الله أو الحرب على سورية، فقد بقيت تحتفظ بعلاقات جيدة مع دمشق، رغم القرار الخليجي وجامعة الدول العربية، وكلنا يذكر قرار القمة العربية بطرد مصر من جامعة الدول العربية بعد زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إسرائيل وتوقيعه اتفاقية «كامب دايفيد»، لكنّ عُمان أبقت على علاقاتها مع مصر، ورغم عضويتها في مجلس التعاون الخليجي ودخول القوات العراقية إلى الأراضي الكويتية، لم تقطع علاقاتها مع العراق، واتخذت الموقف نفسه، عندما جيشت السعودية مجلس التعاون الخليجي ضدّ قطر، على خلفية تحريضها على السعودية واحتضانها جماعة الإخوان المسلمين وتحريض النظام المصري القائم على أنقاض حكم الإخوان.
نحن ندرك أنّ ظروف وشروط الحلّ السياسي في اليمن لم تنضج بعد، لكن هناك في السعودية من يحلم بأن يفرض على الحوثيين صكّ استسلام من خلال تدمير كلّ البنى التحتية في البلاد، متوهماً بأنّ ذلك سيشكل ضغطاً كبيراً على الحوثيين، وقد يفقدهم السيطرة على الوضع من خلال تمرد الجماهير عليهم، لكن يبدو أنّ هذا الحلم قد تلاشى بعدما ثبت للقادة السعوديين أنّ القصف الجوي لم يؤدّ إلى تعديل جدي على الأرض في ميزان القوى، بعد أن استنفذ بنك الأهداف، ولم يعد هناك سوى خيار الحرب البرية المكلفة، تلك الحرب التي كانت السعودية تراهن على أن يكون حلفاؤها الباكستانيون والمصريون والأتراك جزءاً منها، باعتبارهم القوة المركزية في هذه الحرب، لكنّ هؤلاء الحلفاء لن يضحوا بجنودهم فلديهم من الأزمات والأولويات ما يكفيهم.
أما أميركا التي ورطت السعودية في هذه الحرب التي تخدم مشروع الفوضى الخلاقة، لتشظية وتفكيك الجغرافيا العربية وتتفق ورؤيتها في خوض العرب لحروب التدمير الذاتي، لكي تزداد مبيعات مصانع أسلحتها وينمو اقتصادها ويتطور.
لعلّ السعوديين باتوا على قناعة بأنّ الأولوية في العالم والإقليم هي للحرب على الإرهاب والقاعدة وليس للحرب على فقراء اليمن أو إيران وحزب الله، وعلى السعودية أن تقتنع بأنّ المخرج من الأزمة اليمنية لن يكون إلا سياسياً يجعل الحوثيين شركاء في القيادة والحكم، ولا بفرض شروطاً استسلامية. عليها أن تتعظ من فشلها ومآزقها في العراق وسورية ولبنان والبحرين.
إنّ عدم اتخاذ السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي موقفاً عدائياً من عُمان، بسب رفضها مشاركتهم الحرب على فقراء اليمن، يفسر بأنّ السعوديين قد أدركوا أنّ حربهم على اليمن طال أمدها أم قصر، لا بدّ من مخرج سياسي لها، ولن يقبل الحوثيون بأن تكون الرياض أو الدوحة مكان التلاقي لعقد مثل هذا الحوار، فهم يقبلون بأن تكون عاصمة غير متورطة في الحرب عليهم، والأنسب لذلك هي العاصمة العمانية مسقط التي استضافت ورعت أكثر من حوار. وعلى الرغم من لغة التشدّد والقصف الجوي الذي تقوم به السعودية ضدّ اليمن، فإنّ كلّ المعلومات تشير إلى أنّ هناك اتصالات جارية مع الحوثيين للوصول إلى مخرج سياسي، وهذه الاتصالات والحوارات ترعاها مسقط، وحتى تنضج الشروط تخرج الاتفاقيات إلى العلن، لكي تحفظ للسعودية ماء وجهها ولا تظهرها مهزومة أو منتصرة، اتفاقيات ربما يدعي كلّ من السعوديين والحوثيين بموجبها أنه حقق انتصاراً، ولكن في النهاية اتفاقيات تحقن دماء الفقراء، وتجبر السعودية على القبول بالحوثيين كشركاء في الحكم والقرار وإدارة البلاد، وحتى تحين اللحظة المناسبة على السعودية مراجعة سياساتها تجاه اليمن والمنطقة، فهي ليست في حاجة إلى المزيد من الهزائم.
Quds.45 gmail.com