مقولة ماهان وحكمة اليمان: من يحكم الأمواج يحكم العالم
نوال عباسي
في البحر الأحمر تصرّ أميركا على تقمّص دور «حارس الازدهار» لكنها ترفض أو ربما تعجز عن تجاوز عقلية «راعي البقر»، ربما لأنّ تسارع الأحداث وتطوّرها فاق قدرتها على استيعاب التحوّل الاستراتيجي واختلال موازين القوى.
فبعد أن فشل الأميركي في أن يجرّ معه دول المنطقة وخاصة مصر والسعودية إلى مغامرته في البحر الأحمر، وبعد أن فشل في إقناع الصين بالوساطة لدى إيران لحثها على الضغط على أنصار الله من أجل كفّ هجماتهم، وبعد أن رفع ورقة الفيتو في وجه الروسي الذي تقدّم إلى مجلس الامن بمشروع قرار يدين العدوان الغربي على اليمن الشهر الماضي، وبعد إقناع أو بالأحرى إجبار التابع الأوروبي بالانضمام اليه، حتى لو كان ذلك على حساب مصلحته وخلافاً لتطلعات الشعوب الأوروبية التي تخرج أفواجاً لتحتجّ وتطالب بوقف العدوان على غزة ولم يكن أبداً مطلبها المشاركة في العدوان على الشعب اليمني، ورغم ما تقوم به الإمارات من تجنيد مجاميع مرتزقة من جنسيات متعددة ومن القاعدة وداعش، لاستهداف السفن في البحرين الأحمر والعربي بغية التشويش على العمليات العسكرية للقوات اليمنية كما صرّح بذلك وزير الإعلام في صنعاء ضيف الله الشامي، رغم هذا وأكثر فقد أخفق الأميركي في تحقيق بعض الردع أو الحسم أو إعادة الضبط، بل جاءت النتيجة عكسية وتصاعدت وتيرة الهجمات وتطوّرت كمّاً ونوعاً وما زال في الجعبة المزيد وسيبقى التصعيد متناسقاً مع إيقاع الميدان في غزة.
اليمن أصبح اليوم رقماً صعباً في المعادلة الإقليمية وحالة استعصاء على هيمنة «حارس الازدهار» الذي انكشف عجزه وضعف أساطيله وضياع بوصلته الأخلاقية والإنسانية في خرائط التيه.
في الماضي القريب كان اليمن يمثل للكثيرين مجرد خبر عاجل في نشرات الأخبار فصار اليوم يمثل لأغلبنا حيرتنا في بداهة الجواب عن سؤال الكينونة والبقاء والاقتدار. ففكرة وحالة النموذج اليمني هي الحلّ، فكرة خام حادة عاجزة عن تدوير الزوايا يختزلها الشعار الصرخة شعار مقتدر ومتمكن من صياغة إستراتيجيات واقعية وراسخة.
ليست مفارقة أن ينجح أهل أرض العرب الأولى رغم محنهم فيما فشلت فيه مشيخات الصدفة الجيولوجية رغم رخائهم ورفاهيتهم. فهل يستوي الذي أخذ بمسبّبات البذخ والانغماس من أعماق القاع بالذي تعالت أمامه الجبال الشامخات فرفع أكتافه فوقها وسكن القرى المعلقة واعتلى السحاب وفُتحت أمامه أبواب السماء وكشفت له أسرار السنن الإلهية فتفتحت آفاقه وتحققت هيبته وأصبح «معياراً» للأمة ومحلّ تأسٍ واقتداء رغم كيد الكائدين، فرغم أنّ فترة الحصار و»الحزم» طالت لكنها اصطدمت بصخرة فولاذية اسمها الاعتزاز بالعقيدة والقيَم والأنفة والإباء والأهمّ الثقة بالنصر الإلهي فثبتوا بين يدي البلاء وصبروا على الشقاء وتوكلوا على ناصر الحق بالحق واستمدّوا قوّتهم من الحق الذي يؤمنون به ويعملون إخلاصاً له ليس لشهوة عارضة أو مصلحة ضيقة أو عصبية جاهلية.
وفي حين ما زالت المجتمعات العربية والإسلامية حائرة أمام الخيار المصيري، نكون أو لا نكون، ضائعة في تيه الحداثة والعولمة وغارقة في فوضى الاستهلاك والتكديس تقاوم الغباء البشري بالذكاء الاصطناعي نجح اليماني في تحصين وعيه الفطري من طغيان المادة وتمكن من تحقيق أمن حضاري شامل وأصبحت له الكلمة الفصل في البحرين الأحمر والعربي وباب المندب.
تعترف القيادة المركزية الأميركية بأنّ القتال ضدّ اليمن في البحر الأحمر هو أكبر معركة تخوضها البحرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، ويقول الأدميرال الأميركي إنّ بحرية بلاده أرسلت نحو 7 آلاف بحار إلى البحر الأحمر، وفي ما مضى أطلق ألفريد ماهان المؤرخ والجيوسياسي والضابط في البحرية الأميركية مفهوماً جديداً للقوى البحرية مفاده «أنّ من يملك البحر يملك اليابسة»، وأنك «إنْ كنت تريد السيطرة على العالم، فإنّ هذا سيتحقق من خلال السيطرة على الطرق البحرية التجارية الرئيسية في العالم». ما كتبه ماهان بحنكته وضع الولايات المتحدة على طريق القوة العظمى وما يكتبه اليماني اليوم بإيمانه وحكمته أحال هذه القوة إلى ضعف وهوان، اليماني اليوم يحكم الأمواج وهو قبطان معركة بحرية استراتيجية فاصلة فهل سوف يصمد الاسطول الخامس.
ذات تصريح وقف طفل يمني بشموخ أمام إحدى عدسات الكاميرا قائلاً «لن نكفّ عن مهاجمة الأميركي حتى يقول كما قال فرعون آمنت بالذي آمن به اليمنيون».
وهذا أيضاً ومن بركات نصرة غزة…