حوار… مع الأول من آذار
} وجدي المصري
أمس داعب الكرى أجفاني باكراً، فأسلست له القياد فغفوت. ومع بزوغ فجر الأول من آذار أيقظني سكون الطبيعة وكأنها تهيّبت اللحظة، فناديت الفجر لأرتشف معه قهوة الصباح فأقبل متباطئ الخطوة وعلى شفتيه يرتسم ألف سؤال. وما أن أمتصّ الرشفة الأولى حتى بادرني بالسؤال:
ـ اشتقتك، سنوات مضت لم تسع للقائي، فأين كنت؟
ـ غيّبني عنك محبوك فاحترمت رغبتهم، وابتعدت أيضاً عن السادس عشر من تشرين، لكنني ارتحت في أحضان الثامن من تموز.
ـ وماذا أعجبك في تموز؟
ـ عبق الشهادة الذي فاح في سماء الأمة.
ـ وهل رائحة الموت أزكى من رائحة الحياة؟
ـ طبعاً متى كان الموت طريقاً لحياة أرقى وأعز.
ـ لم تقنعني، فأنا الأول من آذار أعطيت الأمة رحيق الأمل بنهضتها التي منها انبثقت عقيدة محيية للمناقب والأخلاق والمثل، وجعلتها الأساس الذي عليه شمخ بنيان حزبي منقذ الأمة.
ـ طأطأت رأسي خجلاً وقلت: يبدو أنك غير مهتمّ بوسائل التواصل الاجتماعي!
ـ سمعت بها لكنها لا تستهويني.
ـ محظوظ أنت.
ـ كيف وما علاقة ذلك بالحظ؟
ـ أشرت إلى الأخلاق والمناقب والمثل التي كانت تزيّن رجالات أيام زمان، أما اليوم فالكلّ يتكلم باسمك، والكلّ يدعو للعودة إلى ينبوع آذار بعدما غارت مياهه في متاهات السياسة والمصالح والأنا. والكلّ يقول أنا الفكر والنهج وغيري باطل. والكلّ يشتم الكلّ، والكلّ يجرّح بالكلّ، والكل يدّعي ملكيته وكالة حصرية منك، والكلّ يتهم الكلّ بأبشع التهم.
ـ أكلّ هذا يحصل باسمي؟
ـ وأكثر من ذلك بكثير، حاولت مع بعض المؤتمنين، متسلحين بما علّمتنا، أن نقول كفى، لقد وأدتم آذار فكيف ستحيون الأمة، ولكن لم نلق آذاناً صاغية. تملكنا اليأس ولم نتراجع، انتحينا جانباً إلى حين، لذلك التجأت إلى الثامن من تموز.
ـ صدمتني وجعلت عظامي ترتجف تحت التراب، ولكن بالرغم من كلّ ذلك تذكّر أنّ موتي كان شرطاً لانتصار قضية الأمة التي ستبقى أمانة بأعناقكم طال الزمن أو قصر فإنكم ملاقون أعظم انتصار لأعظم صبر في التاريخ. ها هو فجري قد علت شمسه وعليّ أن أنسحب قبل أن ترى الدموع في عينيّ.
أنهيت قهوتي ووضعت الصحن فوق الفنجان وخضضته قليلاً ووضعته جانباً علّني أجد بصارة تفك لي ما فيه من ألغاز. وعندما رفعته عن الصحن وجدت تفل البن قد كتب: عزّ دائم.