حزب الله ومعادلة اليد العليا
قرار الاحتفاظ بأفضلية اليد العليا من جانب حزب الله في الحرب واضح. ففي كل تفصيل من تفاصيل مسارات الحرب نجد هذا القرار حاضراً، وفي كل ما يُسمّى صناعة قواعد اشتباك متحرّكة نتحدث عن إصرار على بقاء اليد العليا لحزب الله هي الحاكمة.
القضية التي يثيرها هذا القرار هي أنه في معادلة حرب بحجم تلك التي تدور عبر الحدود مع قوة إقليمية كبرى بحجم كيان الاحتلال ونظرته لخطورة التحدّي الذي يمثله حزب الله، لا يمكن لهذا القرار أن يترجم ويتحقق ما لم يستند الى جملة شروط موضوعيّة غير قابلة للكسر.
الركيزة الأولى التي يستند إليها حزب الله هي المعادلة النهائيّة لخيار الحرب، التي يرغب بها كيان الاحتلال ولكنه يخشاها، بينما لا يرغب بها حزب الله لكنه لا يخشاها. وأن من يريد الحرب لا يقدر عليها ومن يقدر عليها لا يريدها. وهذا يجعل كل لحظة تطور في المواجهة قابلة للتصعيد تستحضر حسابات الذهاب إلى الحرب، فتظهر يد حزب الله هي العليا.
الركيزة الثانية هي في البنية البشرية للقوى المقاتلة لدى كيان الاحتلال ومقاتلي المقاومة، حيث التفاوت يتصاعد والمسافة تتعمّق لصالح تفوّق بنية حزب الله، بين كتائب وألوية أنهكتها حرب غزة وتسببت بتفكيكها، ودمّرت روحها القتالية، وقوة قتالية صافية لا تزال بكامل حيويتها وقدراتها وهياكلها المقاتلة معافاة وروحها القتالية في الذروة.
الركيزة الثالثة هي القدرة النارية، حيث إضافة الى أن حزب الله باعتراف كيان الاحتلال وقيادته السياسية والعسكرية قد راكم فائض قوة نارياً متعدّد المجالات، وبات يملك ترسانة صاروخية ضخمة تضم آلاف الصواريخ الدقيقة. فإن الفارق التذخيري بين حزب الله وجيش الاحتلال يميل لصالح الحزب. وهذه مفارقة لم يضعها أحد في حسابه من قبل كفرضية قابلة لأن تحدث، حيث كشفت حرب غزة عن نفاد مخزون قذائف الـ 155 ملم وصواريخ الدفاع الجوي باتريوت من مستودعات جيش الاحتلال بسبب قيام الأميركيين بسحبها لتزويد أوكرانيا بها، على أمل تعويضها بعد نهاية حرب أوكرانيا، وإذا بطوفان الأقصى يفرض حرباً قبل نهاية حرب أوكرانيا، وأميركا تعجز عن تلبية حاجات الحربين.
الركيزة الرابعة هي الحاضنة الشعبية. وقد كشف ملف المهجرين، من شمال فلسطين ومن جنوب لبنان عن اختلال التوازن بقوة لصالح حزب الله، حيث مقابل بيئة حاضنة لصيقة ومضحية تدعم حزب الله وحربه، بيئة مفككة وخائفة وغير واثقة تفضّل النزوح على البقاء.
الركيزة الخامسة هي البيت السياسي والإعلامي الداخلي الذي قد لا يكون مثالياً بالنسبة لحزب الله، لكنه قياساً بـ حربين سابقتين مماثلتين خاضهما حزب الله، سواء حرب تموز أو حربه في سورية، فإن الوضع الحالي أفضل، بينما تحدث أشياء كثيرة في هذه الحرب بالنسبة لـ”إسرائيل” للمرة الأولى تعبر عن عمق التشظي في البيئتين السياسية والإعلامية، فلم يحدث لا في حرب تموز ولا في غيرها أن تمت المطالبة باستقالة رئيس الحكومة والحرب على أشدّها. وعلى كل حال يبدو واضحاً أن هذا الميدان هو المجال الوحيد الذي يمكن للإسرائيلي الرهان على إزعاج حزب الله فيه بمزيد من المتاعب بدعم غربي وعربي، طالما أن تحسن البيئة الإسرائيلية الداخلية يزداد صعوبة.
التعليق السياسي