هل تنزلق أميركا إلى الحرب في أوكرانيا؟

كان المشككون محقين، في حين كان كبار الدبلوماسيين في جنيف ينادون قبل أيام تقريباً باتفاق في شأن أوكرانيا يُفترض أن ينزع فتيل الأزمة، حذّر كثيرون من أن التوتر مرتفع إلى مستوى لا يجعل مهمة تبديده سهلة. لكن الوضع بات اليوم أكثر تدهوراً، مع وقوع صدامات في شرق أوكرانيا أدت إلى مقتل خمسة أشخاص على الأقل.

يؤكد الخبراء أن الصراع العالمي ما زال بعيد الاحتمال، ولكن مع تعمّق حرب الكلمات، يتفاقم خطر أن تصطدم واشنطن وحلفاؤها بوضع لا يتوقعه أحد.

يذكر توماس غراهام، باحث بارز في «معهد جاكسون للشؤون العالمية» في جامعة ييل ومدير في مؤسسة Kissinger Associates: «لا أريد أن أغالي في الحديث عن مئوية الحرب العالمية الأول، ولكن كما في عام 1994، قد تقع الأطراف اليوم في شرك السياسات والخطابات وسوء قراءة الطرف الآخر، صحيح أن هذا لا يُعتبر مرجحاً، إلا أنه ليس مستبعداً أيضاً».

يعبر غراهام، الذي عمل مساعداً خاصاً للرئيس جورج بوش الابن ومديراً بارزاً للشؤون الروسية في مجلس الأمن القومي بين عامَي 2004 و2007، عن القلق حيال ما يعتبره إخفاق الولايات المتحدة في فهم روسيا على نحو صائب.

أخطأت الولايات المتحدة في تقديرها درجة المشاعر المتطرفة المناهضة لروسيا خلال تظاهرات الميدان في أوكرانيا، بحسب ما يوضح غراهام لذلك لم تفهم رد الفعل الروسي أو تستعد له، لكن استياء موسكو من تقرب أوكرانيا من الغرب لا يرتبط بالتوسع بقدر ارتباطه بالأمن.

ولا يحتاج تقديم الضمانات اللازمة التي تؤكد عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي الناتو إلى تفكير عميق، بحسب ما أشار أناتول ليفن، بروفيسور متخصص في دراسات الحرب في جامعة لندن الملكية وباحث بارز في مؤسسة أميركا الجديدة. كتب ليفن الشهر الماضي في مقال تناقله خبراء الشأن الروسي: «قد يبدو هذا التعهد بالغ الصعوبة بالنسبة إلى الغرب، إلا أنه مرحب به كثيراً على الصعيدين الأخلاقي والعملي. فعلى الولايات المتحدة وحلفائها أن يبرهنوا اليوم، أن ما من ظروف قد تدفعهم إلى خوض الحروب في أراضي الاتحاد السوفياتي السابق لذلك يُعتَبر عرض عضوية حلف شمال الأطلسي على أوكرانيا النوع الأكثر سوءاً من عدم المسؤولية الاستراتيجي والأخلاقي».

لكن عدم الوثوق بروسيا متأصل في مؤسسة السياسة الخارجية، التي ترعرع عدد كبير من اللاعبين فيها خلال الحرب الباردة، فأدى هذا الواقع إلى الكثير من الهفوات والفرص الضائعة. بعد اعتداءات الحادي عشر من أيلول، كان بوتين من بين قادة العالم الأوائل الذين اتصلوا بالبيت الأبيض وعرضوا المساعدة، وعندما بدأت الحرب في أفغانستان، أمّنت روسيا طرق الإمداد لحلف شمال الأطلسي عبر أراضيها، وأعربت عن استعدادها لتقديم مساعدة أكبر، يوضح غراهام أن الروس عرضوا خدمات نقل جوي استراتيجية بغية نقل الجنود الجرحى إلى خارج أفغانستان.

يضيف غراهام: «رفضت الولايات المتحدة هذا العرض لأنه سيسمح لبعض الجنود الروس بدخول بغرام القاعدة الأميركية في كابول . على رغم ذلك، قدمت لنا روسيا مراراً عروضاً منطقية رُفضت في الحال، ولكن لو كان هدفنا حقاً بناء علاقات أكثر إيجابية، لنجحنا في ذلك».

ولكن بدلاً من ذلك، مضت الولايات المتحدة وحلفاؤها قدماً في توسيع حلف شمال الأطلسي، ما قوّض ثقة روسيا بمستقبل أقل عدائية مع خصومها السابقين، ويلفت غراهام: «لا يعتقدون أننا نحترمهم»، ويوافقه جاك ماتلوك، سفير الولايات المتحدة السابق إلى موسكو، غراهام رأيه هذا. كان ماتلوك في روسيا خلال الفترة المضطربة التي بدأ فيها الاتحاد السوفياتي بالتفكك، وعلى غرار مساعد بوش الخاص السابق، يعتقد ماتلوك أن الولايات المتحدة كانت تستطيع تقديم أداء أفضل في بنائها علاقات متينة مع موسكو.

بدا توسع حلف شمال الأطلسي خلال عهدَي الرئيسَين بيل كلينتون وجورج بوش الابن أشبه «بصفعة قوية» لروسيا، بحسب ما كتب ماتلوك في صحيفة «واشنطن بوست» الشهر الماضي. وأضاف: «من المحزن أن تسمم دوامة الرفض واللامبالاة من الجانب الأميركي، التي قوبلت بردود فعل مبالغ فيها من الجانب الروسي، العلاقات بينهما إلى حد باتت معه الدبلوماسية الهادئة التي استُخدمت لإنهاء الحرب الباردة مستحيلةً، عندما تنبّه العالم فجأة للأزمة في أوكرانيا».

يعتقد غراهام أن هذا ما يجعل الوضع الراهن خطراً جداً، ويسأل: «كيف يمكنك تخفيف التوتر في هذه المرحلة؟ لا نملك القنوات الضرورية للتواصل»، وقد تجلى هذا الواقع بوضوح تام في جنيف أخيراً، حين وقعت كل الأطراف على تسوية لم يبدُ أي أحد منها مستعداً حقاً لدعمها. دعا هذا الاتفاق كل «المجموعات المسلحة غير المشروعة» إلى تسليم سلاحها، ولكن سرعان ما نشب الخلاف حول هوية المجموعات غير المشروعة وأي منها يجب أن يقدِم على الخطوة الأولى ومَن المسؤول عن ضمان التزامها. يوضح غراهام: «كانت كل الأطراف مقتنعةً أن الطرف الآخر يتحكم في الوضع».

تصدّق وزارة الخارجية الأميركية على صور تدعي أنها تبرهن أن القوات الروسية تؤجج الحركة الانفصالية في شرق أوكرانيا. أما روسيا فتشير إلى زيارات قام بها رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ونائب الرئيس الأميركي إلى كييف، وتعتبرها دليلاً على أن واشنطن «توجه الأمور» في أوكرانيا.

بات التوتر اليوم عالياً جداً، ما يجعل الوضع مفتوحاً على كل الاحتمالات، يقول غراهام: «لا نعرف إلامَ ستنتهي هذه التطورات. فلا أحد يتحكم حقاً في القوى، وإذا انتشر العنف في شرق أوكرانيا، فسيعجز بوتين عن إرسال قواته إلى هذه المنطقة. ولكن إذا تجاوزت قواته الحدود، فماذا سيكون رد فعل الغرب؟ لم تكن العقوبات كافية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى