«رمضان المسيحي في سورية»
} المهندس باسل قس نصر الله
أهلاً شهر رمضان.. ومباركة طاعتكم أيها السوريون على اختلاف مذاهبكم.
يأتي شهر رمضان على المسلمين، شهراً للعبادة والطاعة، ولكننا نحن أهالي سورية عامةً وحلب خاصةً، نُضيف عليهِ نكهتنا المميّزة.
ويأتي شهر رمضان على المسيحيين مثلي، كشهرٍ يَحتفل فيه مع إخوته في الوطن بالعاداتِ المتوارَثة الجميلة لهذا الشهر الفضيل.
فمَن مِن المسيحيين في رمضان، لم يشرب شراب «عِرق السوس» أو «التمر هندي» أو «شراب قمر الدين»؟
ومن منّا لم يأكل «المَعروك» و «غزل البنات»؟
من مِنا لم يُطربه صوت مدفع الإفطار وصوت «المسحّراتي»؟
ومن منّا لم يسهر مع أصدقائه المسلمين حتى قبل السحور وهم يتضاحكون وحسب اللهجة البدوية «يَتسولَفون»؟
من منّا لم يذهب «أيام زمان» إلى الموائد المفتوحة للإفطار مسلماً كان أم مسيحياً؟
وغيرها وغيرها…
جرت العادة ـ في حلب على الأقلّ ـ أن تبدأ النساء – وتقريباً بشكل يومي ـ بموسم النزول للتسوّق بعد مدة من الإفطار، وبعد عدة أيام من بدء شهر رمضان.. وكون مكتبي قريب من أحد الأسواق.. فكان الرجال يجتمعون في مكتبي، والنساء يذهبنَ للفرجة وجسّ النبض ومعرفة أسعار كلّ شيء حتى يوم الشراء الأكبر.
كانت النساء يتركنَ أزواجهن في مكتبي كأنهن يتركنَ طفلاً في الحضانة.
والرجال ـ ويشهد الله ـ لا يقصِّرون… فهذا يجلب معه «المشبّك ولقم القاضي» وآخر «تشكيلة الموالح والبزورات» وآخر الكنافة وآخر وآخر وآخر… ويجتمع عندي يومياً بحدود خمسة أو ستة أصدقاء.
و»هات» على قهوة وشاي وأكلات، إلى ما بعد منتصف الليل حيث تبدأ المغادرة حتى العودة بعد أيام، ولكن «جوقة أخرى» تكون قد أتت بدلاً عنهم في الأيام الأخرى.
المهمّ أنني في شهر رمضان أبقى كلّ يومٍ بين «استقبَلَ ووَدَّعَ» حتى آخر هذا الشهر الكريم.
وذات مرّة قلت لهم باللهجة الحلبية «خيّو.. انا إش الله جابرني أبقى معكم» ومعناها «ما هو الشيء الذي يُجبرني أن أبقى معكم». فكان الجميع يتضاحك ومنهم من يجيب بأنها الديمقراطية الوطنية وآخر يقول «مو بدنا ندعيلك بصلاة العيد» ومعناها أيضاً «ألن ندعوا لك في صلاة العيد؟»
في أحد الأيام سمعتُ طَرقات على باب مكتبي وعندما فتحتُ كان هناك طفل صغير لم يتجاوز العاشرة من عمره، قد أرسلته أمه ليصعد ويقول لي: «بابا هون؟» فأجبته بسرعة: «حبيبي عندي عدّة باباوات… أدخل واختار واحداً»… وضحك الجميع عندما دخَل الولد وتفرّس في الوجوه حتى رأى أباه وقال له بأنّ «ماما تحت بعتتني مشان تعطيني مصاري».
هذه الذكريات من الأيام الجميلة.. ونكهتها السورية.. حَمَلها إلى العالم أولئك الذين هاجروا من المسلمين والمسيحيين خلال هذه السنوات.
أصبحتُ أنزل إلى مكتبي قليلاً ولم يعد يأتيني «باباوات».
تركوا آثارهم وذكرياتهم وضحكاتهم.
وأنا لم أعد أعرف إنْ كانوا ما يزالون يدعون لي بصلاتهم أم لا.
مباركة طاعتكم لله عزّ وجلّ.. مباركٌ صومكم.. مباركة عائلاتكم أنّى كنتم في المهاجر.. ومباركة محبتكم لسورية.. فاحملوا نكهتها.
اللهم أشهد اني بلغت…