مبادرة حماس: عندما يكون للمقاومة محور!
ناصر قنديل
نحن أمام تطوّرات هامة على المسار التفاوضيّ، والسبب هو أن محور المقاومة تصرّف كجماعة موحّدة تتقاسم المهام؛ بينما في المقابل الخوف من الهزيمة بدأ يحفّز الحليفين الأميركي والإسرائيلي للاختيار بين فرص بقاء جو بايدن أم بنيامين نتنياهو في الحكم؛ وبين حال الشعور بالثقة والقوة في محور المقاومة مع كلام هادئ ومدروس وواقعيّ، وبين شعور بالقلق وعدم الثقة وكلام عالي السقف بعيد عن الواقع على الضفتين الأميركية الإسرائيلية.
قبل ثلاثة أيام كان كل شيء أمامنا يقول إن باب التفاوض أُقفل، وإنه وصل طريقاً مسدوداً، وخرج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل يومين يعلن أن محور المقاومة جاهز للحرب الشاملة إن جاء اليها الثنائي الأميركيّ الإسرائيلي، سواء تحت عنوان معركة رفح التي سوف يُهزمَون فيها قطعاً، أو من باب حرب على لبنان سوف يحملون أشلاءهم على ظهورهم إن خاطروا بخوضها، أو المخاطرة بحرب مع اليمن، سوف تكون وبالاً عليهم أشدّ من فيتنام وأفغانستان؛ أما إن اختاروا المضي بحرب الاستنزاف التي أسماها بالعضّ على الأصابع فشرح كيف أن المحور جاهز ومتماسك بين أطرافه، وبينه وبين بيئته، ومتمسك بشروطه التي أعلنتها حماس باسم قوى المقاومة في فلسطين والتي تفاوض عليها بالنيابة عن كل المحور، وإلا فالخيار أمام الأميركي والإسرائيلي قبول الشروط، رغم مرارة ما فيها من شعور بالهزيمة.
قبل يوم واحد جاء دور اليمن، فخرج السيد عبد الملك الحوثي قائد حركة أنصار الله اليمنية، ليعلن أن اليمن قرّر توسيع دائرة استهداف السفن الإسرائيليّة وتلك المتجهة الى الكيان، فتصبح إضافة الى بحر العرب والبحر الأحمر، كل المسافة الممتدّة من المحيط الهندي إلى رأس الرجاء الصالح. وتعرف شركات الملاحة العالمية أن في هذه الطريق محطات ومطبّات يعرفها رجال البحر تضطر فيها السفن الى شبه التوقف، مثل مضيق ملقا، ويصبح الاستهداف أسهل. ويعرف العالم مع تجربة اليمن خلال شهور منع العبور أنّه يملك ما يلزم ليعلم بهويات السفن العابرة والتمويه الذي يستخدمه بعضها لإخفاء هويته الحقيقيّة، وليعرف مساراتها وطرق مناوراتها البحرية. وأنه يملك ما يكفي من القدرة للاستهداف والوصول إلى الأهداف. والقرار يقطع الطريق على مساري التهرب من منع العبور، مسار التحميل البري للبضائع عبر الخليج والأردن، ومسار العبور البحريّ من مضيق جبل طارق نحو البحر المتوسط، فيُحكَم الحصار على الكيان من جهة الشرق، وهو يعتمد بنسبة تصل إلى 70% من البضائع الاستهلاكيّة على الأسواق الشرقية. والقرار يفتح الباب لوضع قرار سابق للمقاومة العراقيّة بإقفال موانئ الكيان على البحر المتوسط بالصواريخ والطائرات المسيّرة، وإقفال طرق البضائع الأوروبية وما يعنيه ذلك من إحكام الحصار على الكيان.
ظهرت تداعيات صلابة محور المقاومة وخططه على الثنائي الأميركي الإسرائيلي تصدّعاً وسجالات، وتقاذف الاتهامات داخل الكيان بالمسؤولية عن إفشال المفاوضات. وبدء تبلور مناخ في الحزب الديمقراطي الأميركي عبر عنه زعيم الكتلة الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، محوره أنه لا يمكن كسب انتخابات الرئيس جو بايدن والحفاظ على بقاء بنيامين نتنياهو في الحكم، وأنه تجب التضحية بأحدهما كي يبقى الآخر، وأن القدرة على المضي بعضّ الأصابع فوق طاقة هذا الحلف أمام الأكلاف العالية التي يدفعها في الحرب ومنازلاتها.
في يوم أمس، تقدّمت حركة حماس بما أسمته مبادرة للتوصل الى اتفاق، هي عملياً إعادة جدولة زمنية لبنود الشروط التي وضعتها المقاومة وأعلنتها مراراً، ولكن مع صياغة مرنة للمفردات، تختبر مدى نضج الثنائي الأميركي الإسرائيلي أو أحد طرفيه، للنزول عن الشجرة، وارتداء استبدال المكابرة والإنكار، بلغة واقعية تقبل الهزيمة ولو بتغيير اسمها، فتصير تسوية منصفة. وقد جاء الردّ الأميركيّ سريعاً بالتعليق إيجاباً على المبادرة، رغم إدراك أنها الشروط السابقة ذاتها تمّت صياغتها بلغة جديدة وتوزيع مراحل وجداول زمنيّة وأرقام أسرى للتبادل في كل مرحلة وصولاً إلى اتفاق وقف النار النهائيّ، ثم جاء الردّ الإسرائيليّ العمليّ المتمثل بإعلان نيّة توسيع صلاحيات الوفد المفاوض وإرساله إلى الدوحة، مقابل رد إعلامي يصف المبادرة باللامنطقية، لكنه لا يغلق الطريق على مناقشتها.
قد نكون بصورة تفوق التوقع أمام نتائج سريعة لإدارة الحرب الذكية من قيادة محور المقاومة، ولا بدّ من المتابعة لتتبيّن الفرص الواقعية للتوصل إلى اتفاق.