رصيف بايدن… واستمرار التواطؤ الأميركي
} أحمد عويدات
على الرغم مما حملته تصريحات المسؤولين وتحليلات الصحافة ونشرات الأخبار، عن خلافات قائمة بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتي لم تطل المصالح والأهداف المشتركة للحرب على غزة؛ يأتي مشروع بايدن الجديد والذي يحظى بمباركة رسمية عربية وغربية، والقاضي بإنشاء رصيف بحري عائم بحجة إدخال أكبر للمساعدات الإنسانية إلى غزة، وكأنه يكرّس بذلك الانفصام الذي تشهده السياسة الأميركية بين مموّل وداعم ومشارك في الحرب إلى مُنقذ ومُطعم للجوعى الغزيين جواً وبحراً ولكن ليس براً.
هذا المشروع البايدني ينطوي على أهداف لا تبدو أنها خفية على متابع للسياسة الأميركية تجاه الحرب العدوانية على غزة.
1 ـ وضع موطئ قدم احتلالية، وإنشاء قاعدة عسكرية أميركية متقدمة على ساحل غزة؛ للتأثير في الواقع الميداني للمنطقة، ونشر نفوذها اللوجستي لحلفائها.
2 ـ تعبيد الطريق أمام الشركات الأميركية التي موّلت ولا تزال تموّل الحرب الإجرامية الإسرائيلية للسيطرة على منطقة «غزة مارين».
3 ـ إعطاء الضوء الأخضر لاكتساح رفح بغية إحكام الحصار والسيطرة الكاملة على قطاع غزة، والوصول إلى محور فيلادلفيا؛ وهذا من شأنه أن يكشف عن حقيقة التواطؤ الأميركي، ودور الولايات المتحدة في إطالة أمد الحرب من خلال رفض وقف إطلاق النار، والمراوغة والمناورة في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى؛ وهذا ما عبّر عنه مؤخراً الناطق العسكري باسم كتائب القسام أبو عبيدة.
4 ـ التسليم بأنّ كلمة الفصل بفتح معبر رفح هي «إسرائيلية»، وبالتالي الخضوع للإرادة «الإسرائيلية» بعدم فتحه، وإنهاء السيادة الفلسطينية عليه.
5 ـ الاستمرار بحرب الإبادة بتوسيع حرب التجويع ضدّ أهالي غزة؛ وذلك من خلال المناورة بعامل الوقت، لأنّ إنجاز هذا الرصيف يتطلب نحو شهرين برأي خبراء أميركيين في البنتاغون كما ذكرت ذلك صحيفة «فايننشال تايمز».
6 ـ إعطاء دور لجماعات عشائرية للقيام بدور تنظيم وتوزيع المساعدات؛ مما يعني من ناحية تجاهل وإغفال دور الأونروا كجهة دولية رسمية مناط بها القيام بهذا الدور، ولكونها الجهة الأقدر والأكثر خبرة في هذا المجال. ومن ناحية ثانية، يعتبر هذا تمهيداً لإقامة سلطة بديلة لسلطة المقاومة في اليوم التالي للحرب وزرع الخلافات والتصدعات في المجتمع الفلسطيني، وهذا يشكل تماهياً مع أهداف نتنياهو في حربه النازية على غزة.
7 ـ إسناد المهام الأمنية للقوات الإسرائيلية التي ستقوم بتسليح جماعات مدنية بهدف مزعوم لحماية المساعدات، وهذا يتقاطع أيضاً مع أحد أهداف الحرب المعلنة وهو حصر السيطرة الأمنية على قطاع غزة بأيدي دولة الاحتلال. ويذكر أنّ صحيفة «الغارديان» البريطانية تساءلت في هذا السياق: «من سيوزع هذه المساعدات؟»
8 ـ استغلال الواقع المعيشي والأمني الكارثي لسكان القطاع من خلال تأمين ممرّ آمن بحري لتسهيل الهجرة إلى أوروبا، والتنسيق مع دول أوروبية ثلاث، لتمكين قادة الكيان من تحقيق التهجير القسري وتحويله إلى تهجير طوعي دائم.
9 ـ الاستمرار بسياسة تجميل الموقف الأميركي الشريك في جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي تمارسه دولة الكيان الصهيوني؛ وذلك بإظهار حرص الولايات المتحدة على عدم استهداف المدنيين، والتركيز على إطلاق سراح الرهائن مقابل «هدنة إنسانية».
وعليه، إنّ كل ما يجري من سيناريوات ومبادرات ومناورات أميركية يصبّ في قناة واحدة، وهي تأكيد الشراكة في العدوان على الشعب الفلسطيني، سواء مباشرة بالدعم اللوجستي العسكري، والسياسي والدبلوماسي في أروقة وساحات المجتمع الدولي وهيئاته القانونية، أو بدعم غير مباشر؛ من خلال دسّ السمّ في الدسم، ومنها إنزال المساعدات جواً وآخرها إنشاء رصيف بحري لها.
بيد أنّ كلمة الفصل الحقيقية والتي تكشف زيف ورياء ونفاق الموقف الأميركي لإدارة بايدن، هي وقف فوري لإطلاق النار؛ الأمر الذي لا تزال ترفضه هذه الإدارة جملة وتفصيلاً، على الرغم من تصريح نائبة الرئيس كامالا هاريس: «من الضرورة وقف إطلاق النار فوراً، وعلى إسرائيل إعادة الخدمات الأساسية في غزة».
وفي هذا الصدد، لا بدّ من تذكير كلّ المتهافتين وراء سراب «نزاهة الموقف الأميركي» وطروحاته ذات المعايير المزدوجة المتعلقة بإحلال السلام وما يسمّى بحلّ الدولتين، بالكفّ عن هذا اللهاث، والعودة إلى شعبهم ومقدراته، وإعادة تصنيف معسكر الأعداء والأصدقاء، ووضع استراتيجية جديدة لمقاومتين شعبية وثورية لاجتثاث الاحتلال وإنهاء معاناة اللاجئين وعودتهم إلى وطنهم؛ بدلاً من الهرولة وراء وهم حلّ الدولتين.
ختاماً، على الإدارة الأميركية الكفّ عن سياستها المكشوفة. إن استقبال غانتس منافس نتنياهو لرئاسة الحكومة المقبلة، وتصريحات وزير الدفاع الأميركي أوستن «الإنسانية» عن عدد الضحايا الغزيين، وتصريحات كامالا هاريس… لا تخفي حقيقة الموقف البايدني المتذبذب بين دعم لدولة الاحتلال الفاشية، ومغازلة الناخب الأميركي الساخط على سياسته.