تعديلات أميركية إسرائيلية على أهداف الحرب وشكلها
ناصر قنديل
– الحرب التي صمّمها الأميركي والإسرائيلي في الثامن من تشرين الأول من العام الماضي غداة عمليّة طوفان الأقصى انتهت بفشل ذريع في تحقيق الأهداف. وكانت الحرب ثلاثيّة العناوين، حرب برية لإعادة احتلال قطاع غزة، تصفية بنية حماس العسكرية وإدارتها السياسية والمدنية، واسترداد الأسرى من قبضتها بالقوة. وقد ارتكزت حسابات هذه الحرب على ثلاثيّة أخرى هي، أولاً أن لا نقاش حول قدرة جيش الاحتلال على تحقيق النصر في حرب برية على المقاومة في غزة لمجرد استعداده لتحمل التكلفة البشرية التي كان يتفادى دفعها، وقد تسبب تفاديها بأن دفع الثمن مضاعفاً في الطوفان، وثانياً أن قوة الردع الأميركية سوف تتكفل بمنع أي محاولة لدخول قوى محور المقاومة على خط إسناد غزة ومقاومتها، وثالثاً أن السيطرة على وسائل الإعلام العالمية بتعاون أميركي صهيوني سوف يضمن تأييد الشارع الغربي وتالياً ارتياح حكومات الغرب لوضعها رغم فداحة الخسائر المدنية خلال الحرب، وأن الفيتو الأميركي يكفي لمنع استصدار أي قرارات أممية قد يحركها مؤيدو القضية الفلسطينية وخصوم واشنطن وتل أبيب، ما يعني أن الوقت يعمل لصالح أميركا و»إسرائيل».
– عملياً ثبت ان الحسابات الأميركية الإسرائيلية كانت انفعالية وخاطئة، فقد انهارت الركائز الثلاث التي قامت عليها الحرب، فتبين أن جيش الاحتلال يدفع الثمن وأكثر لكنه لا يحقق النصر. وتبين أن أميركا تستحضر قوة الردع ولكنها لا تردع، وأن قوى المقاومة في المنطقة مستعدة للمخاطرة بمواجهة كبرى لقاء عزمها على تقديم الإسناد لغزة ومقاومتها. وتبين أن السيطرة على آلات الإعلام العملاقة عالمياً والإمساك بالفيتو في مجلس الأمن لا يضمنان السيطرة على عامل الوقت الذي تحول الى عامل ضد الحرب الأميركية الإسرائيلية مع شارع غربي صاخب يهتف لفلسطين حرّكته ملايين التغريدات والفيديوهات التي نشرها شباب فلسطينيّ نجح بخوض حرب الرواية وربح هذه الحرب على وسائل التواصل الاجتماعي.
– ترتب على سقوط هذه الركائز، فشل الحرب وسقوط أهدافها. فلا تحقّقت السيطرة المنشودة على غزة رغم التوغّلات البرية المتعددة، ولا المقاومة تمّ سحقها، ولا الأسرى تمّ تحريرهم. ومع دخول قوى محور المقاومة على الخط نشأت مشكلتان كبيرتان لا يمكن تحمّل عامل الوقت وتأثيره فيهما، مشكلة الصورة الأميركيّة المهينة في البحر الأحمر أمام التحدّي الذي فرضته قوة متواضعة مثل أنصار الله ونجحت في الفوز به تحت عنوان حصار غزة مقابل حصار الكيان، ومشكلة الاستقرار الوجودي للكيان أمام تحدي توفير الأمن لمستوطني شمال فلسطين أمام حزب الله العصي على الكسر بمغامرة حرب. والمعادلة هي الأمن لغزة مقابل الأمن لمستوطني الشمال. ومع حرب عاثرة لا يمكن لاستمرارها ان يضمن تحقيق أي أهداف. والأكيد أن استمرارها يتسبب بالمزيد من الأزمات الضاغطة، دخلت الانتخابات الأميركية الرئاسية المنطقة الحرجة حيث الوقت يضغط لصالح إنهاء الحرب كشرط لتحسين ظروف فوز الرئيس جو بايدن.
– بات الخروج من الحرب حتمياً لإعادة ترتيب الأوراق الأميركية في المنطقة، والحدّ من الخسائر المتراكمة. والخروج من الحرب يستدعي توفير إطار يجنب كيان الاحتلال صورة الهزيمة البائنة، ويحول دون ظهور أميركا في موقع الفشل الاستراتيجي، لذلك بدأ التحرك الأميركي على تغيير أهداف الحرب وطبيعتها، ويطرح الأميركي على الإسرائيلي ثلاثية بديلة هي، أولاً بدلاً من حرب عسكرية صاخبة ومستمرّة حرب أمنية مشتركة ضد قوى المقاومة في غزة، يتمّ استدعاء الشركاء الإقليميين في المنطقة بمن فيهم العرب للمشاركة فيها، ثانياً بدلاً من هدف القضاء على حماس، والقضاء مستحيل على فكرة عبر الحرب، كما قال الناطق بلسان مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، يكون الهدف ضمان عدم قدرة حماس على تكرار طوفان الأقصى، وبدلاً من هدف تحرير الأسرى بالقوة، الاكتفاء باستعادتهم ولو عن طريق التفاوض، ووفقاً لهذه الثلاثية يمكن لـ «إسرائيل» أن تزعم أنها انتصرت في الحرب، خصوصاً اذا تم ربط إنهاء الحرب باستبدال خطر الفشل الاستراتيجي الأميركي بإحداث تحول استراتيجي في المنطقة بقيادة أميركية، عنوانه حل الدولتين مقابل التطبيع السعودي الإسرائيلي، فيكون الحدث الصاخب طاغياً على صورة الهزيمة والفشل في حرب غزة، ويجري نقل الأزمات الى الضفة المقابلة، التي يفترض أن تتشقق تحت ضغط كيفية التعامل مع ثنائية التطبيع السعودي الإسرائيلي من جهة، وحل الدولتين من جهة مقابلة.
– محور المقاومة لا يناقش علناً فرضيات احتمالية، لكنه مستعد للتعامل مع كل سيناريو ينتج تحت عنوان كبير اسمه النصر الاستراتيجي الجديد للحرب على غزة، وانتصار الطوفان في إعادة القضية الفلسطينية مفتاحاً للحرب والسياسة في المنطقة، والمحور قادر على التعامل مع صيغ التسويات وقيادتها، وليس لديه حرج في التعامل مع الفرص السياسية التي تنتجها انتصاراته، طالما أنه قرّر ربح الحرب بالنقاط.