«توتال» تماطل… هل من حلول؟
} أحمد بهجة*
كالعادة… تماطل شركة Total-Energies الفرنسية في تسليم تقريرها للدولة اللبنانية ممثلة بوزارة الطاقة بشأن نتائج الحفر في موقع قانا ضمن البلوك 9، علماً أنّ عملية الحفر في البلوك المذكور توقفت في منتصف شهر تشرين الأول من العام 2023، بعد أيام قليلة من بدء عملية «طوفان الأقصى» والعدوان الصهيوني الهمجي البربري على قطاع غزة خاصة وعلى فلسطين بشكل عام، وما تبع ذلك من اشتعال جبهات الإسناد من لبنان وسورية والعراق واليمن…
ولأنّ العقد الموقع بين «توتال» الفرنسية وشريكتيها «إيني» الإيطالية و«قطر للطاقة» من جهة وبين الدولة اللبنانية من جهة أخرى ينصّ على أنّ أمام هذا الكونسورتيوم مهلة ستة أشهر لكي يقدّم تقريره إلى وزارة الطاقة، وبما أنّ أعمال الحفر قد توقفت في منتصف تشرين الأول الماضي فإنّ المهلة تنتهي في منتصف شهر نيسان الحالي.
لذلك أرسلت وزارة الطاقة قبل أيام كتاباً إلى «توتال» تطالبها فيه بضرورة تسليم التقرير خلال أسبوعين، خاصة أنّ علامات استفهام كثيرة تحوم حول أداء الشركة الفرنسية وتعاملها مع ملفّ التنقيب، فقد كان من المفترض أن يتوجّه وفد من هيئة إدارة قطاع البترول في 26 آذار الماضي إلى باريس لكي يتسلّم التقرير من «توتال» ويناقشه مع المسؤولين المعنيّين في الشركة، لكن الأخيرة أرجأت الزيارة من دون أيّ تبريرات، وهو ما استدعى من وزارة الطاقة مراسلتها بكتاب رسمي للمطالبة بحقّ بديهي في الحصول على بيانات الحفر.
هذه المماطلة كانت قد سبقتها إشارات عديدة تؤكد عدم صفاء النوايا لدى «توتال»، حيث أنّ الشركة تناولت الموضوع باستخفاف كبير، بدليل أنها لم تصدر بياناً صحافياً واحداً، بل اكتفت بإبلاغ الجانب اللبناني بانتهاء أعمال الحفر في البئر الاستكشافية في البلوك 9 بعدما وصلت إلى عمق 3900 متر تحت قاع البحر دون العثور على غاز!
إضافة إلى ذلك سُجّل على «توتال» عدم حضورها أيّ من الاجتماعات المتتالية التي خُصّصت للبحث بعمليات التنقيب في المياه اللبنانية، بالرغم من دعوتها والطلب إليها من قبل مجلس النواب حضور اجتماع لجنة الأشغال والطاقة النيابية، لكنها لم تحضر!
الآن نحن في مرحلة انتظار ردّ الشركة على الكتاب الرسمي من وزارة الطاقة بتسليمها التقرير بشأن نتائج التنقيب والحفر في البلوك 9، لأنّ مضمون هذا التقرير سوف يكون الأساس الذي تُبنى عليه الخطوات المرتقبة في المرحلة المقبلة، لا سيما أنّ وزير الطاقة الدكتور وليد فياض كان قد أعلن قبل فترة أنّ لبنان يريد من الكونسورتيوم الذي تقوده «توتال» أن يحفر بئراً أخرى في منطقة الامتياز في البلوط 9، وهو ما ينص عليه الاتفاق الموقع بين الطرفين.
وإذا كانت الحجة اليوم أنّ الوضع المتوتر أمنياً في محيط منطقة الحفر في البلوك 9 يحول دون البدء بحفر بئر ثانية، فإنّ الجميع يعلم أنّ أعمال الحفر والتنقيب في البلوك 4 اقتصرت على بئر واحدة فقط فيما الاتفاق ينص أيضاً على حفر بئر ثانية، وهو مل لم تلتزم به «توتال» وشركاؤها من دون تقديم أي مبرّرات مقنعة.
هذا الأمر يضعنا أمام سؤال كبير لا بدّ من طرحه وهو: كيف يمكن الخروج من هذه المشكلة المعقدة، وإيجاد الحلّ المناسب للطرفين لاستئناف العمل في البلوك 9، خاصة أنّ الحرب ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، وكلّ المؤشرات تدلّ إلى أن يد لبنان ومقاومته ستكون هي العليا ولن يستطيع العدو الصهيوني ومَن معه تحقيق أيّ هدف من أهدافهم في المنطقة.
الإجابة عن هذا السؤال سهلة وصعبة في آن معاً، حيث أنّ الجانب السهل هو الاتفاق مجدّداً مع الكونسورتيوم نفسه بقيادة «توتال» لكي يتابع عمله بما يحقق مصلحة لبنان في البلوك 9 وقبله في البلوك 4 وفي غيرهما من مناطق الاستكشاف الثماني الأخرى.
أما إذا أرادت «توتال» ومَن معها الاستمرار في المماطلة والتسويف بشكل يتعارض كلياً مع مصلحة لبنان، يأتي عندها دور الجانب الصعب من الإجابة، الذي لن يكون صعباً على الإطلاق إذا اتخذت الحكومة القرار الجريء باستقطاب شركات أخرى من دول مثل الصين وروسيا وإيران (علماً أنّ الدولتين الأخيرتين هما من أكبر منتجي الغاز في العالم ولدى شركاتهما العملاقة الخبرة الكافية والقدرة العملانية المطلوبة للقيام بالمهمة على أكمل وجه)، خاصة أنّ هذه الشركات لا تخضع لضغوط سياسية واقتصادية من هنا وهناك، وليس لديها أجندات استعمارية في هذا الزمن الذي يتمّ فيه القضاء على الاستعمار وطرد المستعمرين من أربع جهات الأرض…
*خبير مالي واقتصادي