منبر القدس: ظهور محور المقاومة بخصوصيّاته
ناصر قنديل
– لعل الأهم في تنظيم مناسبة منبر القدس، حيث تحدّث كل من قادة المقاومة في فلسطين واليمن والعراق ولبنان ورئيس الجمهورية الإسلامية في ايران، هو ما كشفه عبر هذا الإشهار من عناصر تتصل بقرار استراتيجيّ لدى إيران وقوى المقاومة بالتصرف كمحور موحّد في مواجهة التحدي الذي يمثله وجود كيان الإحتلال ومشروع الهيمنة الأميركية على العالم عموماً، ومنطقتنا خصوصاً. والقرار يقدّم المشاركين في المنبر كنواة صلبة للمحور لا تختصر جبهة المقاومة مع الكيان ولا تختزل المواجهة مع مشروع الهيمنة. فهناك جبهة عربية عريضة تنهض بمسؤولياتها في مواجهة الكيان ومشروع التطبيع سواء ما يقوله الحراك الشعبي في الأردن أو في المغرب، أو ما تقوم به حكومات دول مثل الجزائر والعراق، ولكن خصوصاً سورية التي تحدّث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كثيرا عن موقعها في هاتين المواجهتين، وعن وقوفها على الخط الأول للاستهداف والمواجهة في آن واحد. وهناك جبهة عالمية عريضة تواجه مشروع الهيمنة، من روسيا والصين إلى أميركا اللاتينية، وجبهة عالميّة مساندة لفلسطين، تشكل شوارع غربيّة تخرج بالملايين لنصرة فلسطين القوة الأبرز فيها، وتشكل منظمات المقاطعة الاقتصادية نواة صلبة تاريخيّة فيها، بحيث نستنتج أن المنبر مكرّس لقوى المقاومة العسكرية، للدول التي تنخرط بجيوشها وحركات المقاومة التي تشارك بتشكيلاتها العسكرية، في مواجهة كيان الاحتلال والاحتلال الأميركي للمنطقة.
– أولى الإشارات التي حازت درساً وتقييماً بالتأكيد، عند التحضير لتنظيم المنبر، هي أن سورية التي تمثل قلعة محور المقاومة، لها خصوصيّة تتصل بمعارك الشمال التي تخوضها، وتتصل بحجم آثار وأضرار الحرب التي شنّت عليها، وموقعها في علاقات عربية وعالمية تخدم أهداف خطة المقاومة ومحورها، وبعدم جاهزيّة جيشها لخوض معارك الشمال والجنوب معاً، ما يجعل تكريس هذه الخصوصيّة عبر صيغة المنبر، مصدر كسب للمحور وتمييز مفيد بالنسبة لسورية أيضاً، ومثل سورية بدرجة أقلّ حال العراق الذي حضر بمقاومته ممثلة بالحاج هادي العامري والشيخ أكرم الكعبي بثنائية تشبه الثنائية الفلسطينية للمقاومة العراقية، ولم يتمثل العراق بحكومته، حيث جيش العراق وحكومته بيئة متضامنة مع المقاومة، لكنهما ليسا ضمن تشكيلاتها، والعراق في قلب شبكة علاقات عربية ودولية أكثر تعقيداً من سورية، وفي قلب مفاوضات على انسحاب القوات الأميركية، يفيد محور المقاومة بتكريس هذه الخصوصيّة أكثر، ويستفيد أكثر.
– في لبنان واليمن جبهتان عسكريتان واسعتان تحملان عبئاً رئيسياً في المواجهة مع مشروعَيْ الكيان والهيمنة، تمثيل حصريّ واضح للقوتين التاريخيتين المؤسستين للمقاومة، حزب الله وأنصار الله. وإذا كان الأمر سهل التفسير في حال اليمن، فهو في حال لبنان يعني أن حركة أمل التي تمكثل الشريك السياسي والميداني لحزب الله في المقاومة، حافظت على شراكتها بخصوصية مع حزب الله وسائر المحور، لكن في منبر يتحدّث خلاله القادة، وجدت ووجد المحور أنه من الأفضل ان لا يكون رئيسها وهو رئيس مجلس النواب حاضراً، لأن حضوره في ميدان حركته كرئيس مجلس للنواب يفيد المحور والمقاومة أكثر، وهي هنا خصوصية تشبه كثيراً خصوصيّة سورية والعراق. أما في فلسطين فيكرّس المنبر ثنائية المقاومة بين حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، بينما يظهر أن إيران قرّرت التمثيل على مستوى رئاسة الجمهورية، وكان بمستطاعها أن لا تتمثل فيبقى المنبر لقوى المقاومة دون مشاركة أي دولة، لو كانت تبحث عن النأي بنفسها. كما كان بمستطاعها أن تتمثل بالحرس الثوريّ على مستوى قائد الحرس باعتباره القوة المشاركة بالمقاومة المسلّحة من إيران، أو بقائد فيلق القدس في الحرس ترجمة لواقع أن فيلق القدس هو الجهة التي أنيطت به منذ تأسيسه مهمة تتصل باسمه أي فلسطين والقدس، لكن اختيار إيران أن يتحدث رئيس الدولة له إشارة مهمة ودلالة عميقة لجهة قرار إيران بتقديم الدولة ككل شريكاً في المقاومة، الدولة بمؤسساتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية، وهذه رسالة غاية في الأهمية وخيار استراتيجيّ كبير.
– توضح الكلمات بنصوصها أنها مسجلة قبل عملية الغارة على القنصلية الإيرانية، للتحدّث عن يوم القدس وطوفان الأقصى والقضية الفلسطينيّة وخيار المقاومة، ما يعني أن القادة لم يجدوا حاجة لتعديل كلماتهم في ضوء الغارة ارتأوا أن وظيفة الكلمات محققة دون الحاجة إلى تعديلها، خصوصاً أنه سوف يكون لكل منهم إحياء خاص وكلمة خاصة في يوم القدس. وهذا يؤكد أن الوظيفة الأهم للمنبر ليست مضمون الكلمات المبدئيّة، بل إشهار وإعلان وجود قيادة سياسيّة وإعلامية منظمة لمحور المقاومة العسكرية، أطلت عبر منبر القدس، الذي يمكن أن يتحول الى منصة يجري استحضارها كلما كان ضرورياً صدور خطاب وموقف يشترك في تظهيره أركان المحور.