لمرة أخيرة: معايير النصر والهزيمة في حرب السعودية على اليمن
ناصر قنديل
– تخوض وسائل الإعلام المموّلة من السعودية، من الفضائيات إلى الصحافة، حرباً ضروساً لا تقلّ ضراوة عن الحرب التي خاضها جيشها، لتثبيت مقولة إنّ الحرب توقفت، لأنّ السعودية حققت نصراً يسمح بإعلان وقف حرب انطلقت لتحقيق أهداف وقد تحققت، ويشترك في هذه الحرب الإعلامية كلّ من تملك السعودية قدرة على تحريكهم والتأثير عليهم، من سياسيين وإعلاميين ورجال دين وديبلوماسيين وخبراء عسكريين، إلى درجة بات واضحاً معها، أنّ نتيجة الحرب العسكرية ستحدّدها نتيجة الحرب الإعلامية الدائرة، حول تحديد معايير النصر والهزيمة في الحرب العسكرية.
– تستند مقولة النصر السعودي إلى ركنين رئيسيّين، يبقى سواهما غباراً بلا قيمة، من نوع الحديث عن تثبيت شرعية منصور هادي استناداً إلى تأكيد مرجعيته الشرعية في قرار مجلس الأمن، والحقيقة أنّ القرار الأممي الذي سبق القرار الأخير، تضمّن النصّ الصريح ذاته عن شرعية منصور هادي، فماذا جلبت الحرب من إضافة، إلا إذا كان القصد هو كون القرار الجديد وفقاً للفصل السابع، فهذا ما سنتوقف عنده لاحقاً لجهة أنّ عدم الاعتراف من الثوار بشرعية هادي سيرتب تبعات ونتائج دولية بحقهم، لكن من زاوية الاعتراف الأممي بشرعية هادي لا جديد، سوى أنّ القرار السابق صدر بالإجماع، بينما القرار الأخير الذي جاء بعد الحرب، ترافق مع الامتناع الروسي عن التصويت، ومعلوم أنّ الصدور وفقاً للفصل السابع لا يضيف إلى القيمة السياسية والمعنوية لأيّ قرار أممي شيئاً من زاوية الوقائع التي يتبناها ويشرّعها، بل تحصر قيمة الفرق بينه وبين الصدور من دون اللجوء إلى الفصل السابع بالتبعات المترتبة على عدم الأخذ بها.
– من عناصر الغبار أيضاً الحديث السعودي عن وضع حدّ للتمدّد الإيراني سواء داخل اليمن أو في مياه الخليج، وهو أمر تنفيه وقائع من نوع، أنّ بقاء الحوثيين فريقاً يمنياً وازناً لا يمكن تجاهله في الحلّ السياسي، وفقاً للمنطق السعودي نفسه، يعني أنّ ما يسمّونه بالنفوذ الإيراني لم يضرب، وربما يكون تعاظم، بظهور تمدّد الثوار على رغم الحرب إلى مناطق لم تكن بين أيديهم، أما في البحر، فالواضح أيضاً أنّ التقرّب الذي قامت به البحرية الإيرانية من السواحل اليمنية، والتجوال في البحر الأحمر والكشف عن قاعدة بحرية إيرانية في أريتريا على البحر الأحمر، والإعلان الأميركي عن عدم تحديد اعتراض السفن الإيرانية من مهام بحريتها وقواتها، كلها مكاسب إيرانية ما كانت لتتحقق لولا الحرب السعودية، بل إنّ انطلاق نقاش تفاوضي أميركي إيراني حول الحدود والأدوار التي يتقاسمها الطرفان في المياه الممتدة من الخليج إلى البحر الأحمر، وفرت له الحرب منصة لم تكون متوافرة من قبلها ومن دونها، وكلّ ما سيسفر عنه من مكاسب لإيران هي مكاسب إضافية ترتبت ببركة الحرب السعودية.
– الاستقواء السعودي لفرضية النصر بكون القرار بوقف الحرب لم يتم، بنتيجة مواجهات خاضها الحوثيون وهدّدت الأمن السعودي كإطلاق الصواريخ على العمق السعودي، أو التقدّم البرّي خارج الحدود اليمنية، مردود عليه، بفرضية، أنّ وقف الحرب قرار استباقي لتفادي مثل هذه المخاطر، بعد إعلان قائد الثوار اليمنيين عن الخيارات المفتوحة، والرسائل الواضحة عن نهاية شهر الحرب الأول، سيعني بدء الردّ، هذا إضافة إلى أنّ مرور شهر تقريباً على بدء الحرب من دون ظهور نتائج حاسمة، ترافق مع تساؤلات عن جدوى استمرارها، من واشنطن إلى نيويورك وموسكو، ومع تحذيرات من طهران، فيصير في أحسن الأحوال، حسم مصير هذا الاستقواء بعدم الردّ من الثوار، كعامل قوة لأحد المتحاربين، مرهوناً بما تظهره سائر أركان التبرير السعودي لوقف الحرب كونها حققت أهدافها، بما سيقوله في الجوهر منطقهم وفرضياتهم، وفقاً لركني نظرية النصر التي يسوقونها.
– الركنان اللذان يستحقان النقاش في الخطاب السعودي حول النصر هما، الأول هو الاستقواء بواقعة مواصلة الطيران السعودي غاراته، على مواقع الحوثيين لتقديم الدعم للمجموعات المناوئة لهم وللجيش الذي يقف في أغلبه معهم، وفي المناطق التي عجز مساندو السعودية عن السيطرة عليها في ظل الحرب وعلى رغم مشاركة تنظيم «القاعدة» بين صفوفهم بكل مقدراته وقوته، ويخشى السعوديون أن يستتبّ أمرها للثوار والجيش مع وقف الحرب، والثاني هو التأشير لربط وقف الحرب باقتراب نهاية المهلة التي حدّدها مجلس الأمن لتطبيق بنود قراره، الذي صدر سابقاً قبل الحرب وفق الفصل السادس مطالباً الثوار بالانسحاب من المدن، خصوصاً صنعاء وعدن، وتسليم الأسلحة التي حصلوا عليها من الجيش، والاعتراف بشرعية منصور هادي، وقبول المبادرة الخليجية والدعوة للحوار وفقاً لرعاية مجلس التعاون الخليجي في الرياض، ومع نهاية المهلة يقول السعوديون أنّ الثوار في المأزق، وأنّ سلاح الجو السعودي يتابع مهامه، وسيتابع تأديبهم إذا لم يستجيبوا لمندرجات القرار، بقوة تكليف أممي يصير أقوى من القرار وقت صدوره، والحرب قد بدأت بغطاء التحالف الذي تقوده السعودية، من دون تكليف أممي أو تغطية القانون الدولي، فكيف عساها تكون إذا حصلت عليهما؟
– إذا أخذنا الغارات السعودية بمعزل عن مهلة قرار مجلس الأمن، فلا قيمة لها كدليل على قوة أو نصر، لأنّ الذي يخوض حرباً لتركيع خصمه، لا ينتقل من ضربات مكثفة إلى ضربات منتقاة، وموضعية وتذكيرية، إلا في سياق النزول عن الشجرة والخروج التدريجي من الحرب، مع حفظ ماء الوجه بأقلّ خسائر ممكنة، طالما أن النسخة الأصلية للحرب لم تنجح بتركيع الخصم وتحقيق الأهداف، فلن يكتب لنسختها المنقحة النجاح وهي دونها مرتبة في القدرة على ممارسة الضغط، ويكفي الإعلان عن وقف الحرب سبباً لإضعاف قدرتها على مواكبة الضغط الميداني بضغط نفسي مواز، فتصير عسكرياً أقلّ ونفسياً صفر، وهي تشبه هنا ما فعلته «إسرائيل» في حرب غزة الأخيرة عندما كانت التسوية مكلفة، فتركتها إلى ما بعد الإعلان عن وقف الحرب من دون تسوية، وواصلت الغارات المتقطعة، حتى تمّ الوقف التدريجي بالتزامن مع التسوية التي لا تأتي في لحظة عاصفة فتقع كفضيحة، فالمواصلة هنا تبدو أقرب لمحاولة الحفاظ على توازن ميداني، لحساب الحليف اليمني، بانتظار خروج التسوية إلى الضوء.
– ربط الإعلان عن وقف الحرب ومواصلة الغارات بنهاية المهلة الأممية للثوار للرضوخ لشرعية منصور هادي، هو الأمر الأهم الذي يركز عليه السعوديون والذي يستحق المناقشة، وهذا يعني وفق الترويج السعودي أننا سنكون أمام أحد احتمالين خلال يومين، إما أن يعلن الحوثيون الانسحاب من المدن وقبول شرعية منصور هادي والقبول بحوار الرياض تحت راية مجلس التعاون الخليجي وفي الرياض، وإلا فمجلس الأمن سيصدر قراراً حازماً حاسماً، بحق الحوثيين، أبعد وأقوى وأهمّ من سخافة تجميد أرصدة غير موجودة ومنع سفر عن غير مسافرين، لمستوى تصير الغارات السعودية حرباً كاملة أين منها الحرب بنسختها الأولى، ولكن بتفويض أممي هذه المرة، حتى سحقهم أو تركيعهم وجلبهم إلى بيت الطاعة السعودي، فهل هذه هي الصورة؟
– من يواكب الوقائع والمتغيّرات في المواقف السعودية، سيلاحظ الانتقال من الحديث السعودي عن لا مكان للرئيس السابق علي عبدالله صالح في أي تسوية وحلّ سياسي، إلى بدء الحوار معه ومع حزبه، والانتقال من لا مكان لإيران في الحلّ السياسي في اليمن إلى الرسائل العلنية غير المباشرة، التي من ضمنها تمّ الاتفاق أن تعلن طهران بلسان نائب وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان عن وقف الحرب قبل أن يعلنها الناطق السعودي أحمد العسيري، كما سيلاحظ المتابع أنّ الأمم المتحدة تتحدث عن تعيين مندوب جديد لبدء الحوار اليمني، وأن مسقط التي كانت في صورة قرار وقف الحرب تعلن نيتها إطلاق مبادرة للحوار، وسيلاحظ أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان شريكاً في ترتيبات ما قبل وقف الحرب، فهل هذه مؤشرات تصعيد؟ أم مؤشرات تراجع الحوثيين واستسلامهم لمنصور هادي؟ ثم ماذا عن منصور هادي نفسه؟ أليست عملية تعيين خالد بحاح نائباً له في حمأة الحرب تمهيد لرحيله وتسليم بحاح ضمن التسوية مهام رئاسة انتقالية يعلن الحوثيون قبولها؟ فمن خاض حرباً لتثبيت شرعية هادي وحاز على القرار الأممي الذي يمنح الشرعية للحرب لتثبيته كما يقول السعوديون، لا يتنازل عن هذه الورقة إلا مرغماً بقوة الفشل.
– طبعاً بيننا وبين ما يُسمى نهاية المهلة وما سترتب، ساعات وأيام، ستقول أجوبة نهائية، لا تحتاج إلى التحليل، وسيكون السعوديون أمام ساعة الحقيقة، لكنهم يراهنون على تضييع الطاسة عندها، بأنّ التسوية تكون قد تمّت وهم يعلمون أنّ مجلس الأمن لن ينعقد إلا لإعلان مندرجات خطواتها، ومن ضمنها رفع وضع اليمن من الوقوع تحت الفصل السابع بما في ذلك الحصار البحري السعودي، وربما التراجع عن العقوبات لكن بالتأكيد ليس بتصعيدها.
– الحدّ الفاصل بين النصر والهزيمة في الحرب على اليمن، إذا قبلنا المنطق السعودي، ولم يحصل ما يبشرون به من استسلام للحوثيين ولا من تصعيد أممي ضدّهم، وتكشفت الأيام عن مسار تسوية، هو في الإجابة عن سؤال، عندما تنتهي الحرب بتسوية ضمنية، متدرّجة التطبيق بروزنامة متبادلة، تفرض الخطوة التراجعية الأولى على المهزوم، فمن أعلن قبل الآخر التراجع عن خطواته العدائية، السعودية أم خصومها؟ هل سمعنا بياناً للحوثيين يعلن الاعتراف بشرعية منصور هادي، أم سمعنا بياناً سعودياً يعلن وقف الحرب؟
– قبلت السعودية روزنامة تتضمّن البدء بالإعلان عن وقف الحرب، والاستعداد لخلع منصور هادي، مقابل قبول الحوثيين بخالد بحاح رئيساً موقتاً، والإعلان عن تسلّم الجيش الذي يعرف السعوديون ولاءه للحوثيين، مسؤولية الأمن في المدن اليمنية، وبدء حوار يمني ـ يمني، برعاية واسعة تكون البصمة الإيرانية فيه واضحة، ويكون عنوانه حكومة توافقية تمهد لانتخابات نيابية ورئاسية ودستور جديد، وفقاً لما قاله الحوثيون في إعلانهم الدستوري، ولا ترد المبادرة الخليجية وسائر المعزوفة إلا من قبيل رفع العتب.
– من يكون المنتصر؟