إيران ستنتقم حتماً… هل يردّ نتنياهو بحماقة مدوّية؟
د. عصام نعمان*
اللاعبون الكبار اتخذوا مواقف صريحة مما حدث وما يمكن أن يحدث في ملعب فلسطين المحتلة، إلاّ انهم احتفظوا لأنفسهم بتوقيت الفعل او الفعل المضاد.
آية الله علي خامنئي تعهّد بصفعةٍ انتقامية ستندم بعدها “إسرائيل”.
الرئيس جو بايدن تنصّل من معرفة مسبقة باعتزام “إسرائيل” ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق، وطالب نتنياهو بتغيير سياسته المتشددة إزاء المدنيين الفلسطينيين، لكنه حرص على تأكيد التزامه دعم “إسرائيل للدفاع عن نفسها”.
بنيامين نتنياهو التزم الصمت، لكنه تابع عملياته الوحشية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.
السيد حسن نصرالله كرّر دعمه القوي للمقاومة الفلسطينية، وأكّد جهوزية حزب الله لمواجهة الكيان الصهيوني اذا شنّ حرباً مفتوحة.
المشهد الجيوسياسي في الإقليم الممتدّ من شواطئ البحر الأبيض المتوسط غرباً الى شواطئ بحر قزوين شرقاً يضجّ باحتمالات خطيرة قد تتفجر في أيّ لحظة.
إلى أين من هنا؟
ما من شك في أنّ إيران ستردّ. ما من مرةٍ جرى المسّ بسيادتها أو بهيبتها إلاّ وبادرت الى الردّ بلا تردّد. عندما أقدمت الولايات المتحدة على اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني بالقرب من مطار بغداد سنة 2020، لم تتأخر في ضرب قاعدة عين الأسد، كبرى القواعد العسكرية الأميركية في العراق.
“إسرائيل” هي التي فعلتها هذه المرة وليس أميركا، فأين ومتى يا ترى ستضربها إيران؟
صحيح انّ الولايات المتحدة تنصّلت من فعلة “إسرائيل”، وانّ كيان الاحتلال يضرب دائماً بأسلحة أميركا وبتحريض منها او، في الأقلّ، بعلمها. فهل تقوم إيران بضرب موقع اميركي مداورةً من خلال أحد تنظيمات المقاومة العراقية المتحالفة معها؟
أستبعدُ ذلك، لا لخوفها من ردّة فعل واشنطن إنما تحوّطاً وتحسّباً لقيامها بقصف منشآت صناعية او استثمارية إيرانية أساسية داخل البلاد أو في منطقة الخليج. الأرجح انّ هدف إيران سيكون إسرائيلياً لأنّ تكلفة إيران في هذه الحالة ستكون أقلّ فيما تكلفة “إسرائيل” ستكون أكثر وأفدح. لكن ذلك يطرح سؤالاً: لماذا أقدم نتنياهو على ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال سبعة قادة عسكريين إيرانيين كبار مع علمه أنّ القيادة الإيرانية ستقوم حتماً بالردّ على كيانه بقوةٍ وبلا تردّد؟
الأرجح انّ نتنياهو فعل ذلك قصداً مراهناً على أنّ ردّ الفعل الإيراني سيكون كبيراً جداً لدرجةٍ يحمل الولايات المتحدة على التدخل لحماية “إسرائيل” وربما لمشاركتها أيضاً في مغامرتها. لذا أرى انّ الضربة الثأرية الإيرانية لن تكون مزلزلة استدراكاً واستبعاداً لتدخلٍ أميركي مؤذٍ.
حتى لو افترضنا أنّ القيادة الإيرانية وجدت انه من الأنسب أن تكون ضربتها مزلزلة، فإنها تستطيع أن تنفذها بواسطة تنظيم مقاومة حليف لها في العراق او في اليمن. وفي هذه الحالة، ستفتقر واشنطن على الأرجح للمسوّغ والمصلحة الكافيين لتبرير أيّ تدخل مضاد دعماً منها لـِ “إسرائيل”.
يبقى سؤال: متى وأين من المرجّح أن تضرب إيران مباشرةً بنفسها او مداورةً بواسطة تنظيم مقاومةٍ حليف؟
أرى انّ إيران ليست في عجلةٍ من أمرها. ستأخذ وقتها قبل تحديد الساعة الصفر، تاركةً العدو يتخبّط في تخميناته وحيرته ومنازعاته الداخلية وإمعانه في ارتكاب فظاعات وحشية في قطاع غزة والضفة الغربية الأمر الذي من شأنه استفزاز الرأي العام العربي ومضاعفة استننكاره وحشية العدو، وتعزيز مشاعر ودوافع الوحدة والتضامن ضد العدو على مستوى الوطن العربي الكبير، كما مضاعفة حملات الرفض والاستنكار في كلّ أنحاء العالم ضدّ الكيان الصهيوني العدواني والتأييد المتزايد لحق الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة وإقامة دولته المستقلة وفق إرادته.
غير أنّ ثمة احتمالاً خطيراً يقتضي أخذه في الحسبان مع أنه يبدو مستبعَداً. إنه احتمال أن يعتبر نتنياهو وأركان فريقه الحاكم الشديد التطرف والعنصرية أنّ ردّة فعل إيران الثأرية ـــ أيّاً كان حجمها وتأثيرها ـــ تشكّل تهديداً وجودياً قاطعاً للكيان الصهيوني ما يستوجب في رأيهم التحوّط لمفاعيلها من حيث تشجيعها قوى المقاومة الفلسطينية والعربية على مزيد من التصلّب والتوسع والتصميم على انتهاج مسار التحرير بالتعاون مع سائر أطراف محور المقاومة، فتجد “إسرائيل” نفسها تالياً على شفير هزيمة حتمية وهروب جمهورها بعيداً من كيانها المتهاوي. لتفادي ولمواجهة هذا التحدي الماثل قد يقرّر نتنياهو، نتيجةَ خوفه الشديد من ان ينتهي في السجن اذا ما انهار ائتلافه الحاكم تحت وطأة ضغوط المقاومة الفلسطينية والعربية وضغوط الرأي العام العالمي، فيُقدم على اتخاذ خطوة جنونية بالردّ على ضربة إيران الثأرية بضربةٍ نووية تكتيكية تضع حدّاً – في ظنّه – لتطورها الى دولة نووية مقتدرة.
إني وإنْ كنتُ أستبعد قيام نتنياهو المأزوم باعتماد هذا المسار الجنوني الفاقع، إلآّ أنني أضع في الحسبان ايضاً احتمال ان يرتكب هذا الصهيوني المأزوم مثل هذه الحماقة المدوّية.
ما العمل؟
أرى أنه ما زال ثمة بقية في الكيان الصهيوني المهزوز من جنرالات لم يفقدوا أعصابهم وما زال للعقل دورٌ في تقديراتهم فيقولوا لنتنياهو وفريقه الحاكم إنْ حماقة استخدام السلاح النووي لن تكفل النجاة لهم أو للكيان المهزوز. ذلك انّ إيران تملك عدداً كبيراً من الصواريخ البالستية بعيدة المدى المحمّلة بأطنانٍ عدّة من القنابل الثقيلة المدمرة ما يمكنها من معادلة القوة النارية النووية الإسرائيلية بقوة نارية إيرانية مدمّرة موازية ما يؤدي الى تدمير لا أقلّ من 50 في المئة من “إسرائيل”، سكاناً وعمراناً وصناعةً وقواعد عسكرية وموانئ ومطارات يحتضنها كلها سهل “غوش دان” الممتدّ بين تل ابيب وحيفا بطول نحو 80 كيلومتراً وعرض لا يزيد عن 10 الى 15 كيلومتراً. هذا ناهيك عن عشرات آلاف الصواريخ الدقيقة التي يمتلكها حزب الله في لبنان وربما أنصار الله في اليمن وتنظيمات المقاومة العراقية المتحالفة مع إيران ايضاً ما يضمن تدمير كيان الاحتلال ويحتّم نهايته قبل بلوغه سن الثمانين، شأنه في ذلك شأن جميع الكيانات التي أقامها اليهود في تاريخهم القديم.
ما زلتُ أستبعد أن يرتكب نتنياهو وفريقه الحاكم تلك الحماقة الشمشونية. لكني، شأن غيري وهم كثر في فلسطين المحتلة وعالم العرب، ندعو الى التحوّط والتحسّب لمفاعيل الجنون الذي يستوطن عقول قادة “إسرائيل” في هذه المرحلة المصيرية المفصلية…
*نائب ووزير سابق
[email protected]