هل تذهب المنطقة الى التصعيد أم الى التسوية المؤقتة…؟
} د. عدنان نجيب الدين
لم تهدف الضربة الإيرانية الأخيرة على الكيان الصهيوني سوى إلى تأديبه وإفهامه أنّ تماديه في الغطرسة واستباحة دماء الفلسطينيين وكذلك الضباط الإيرانيين والمصالح الإيرانية أصبح أمراً لم يعد الصبر عليه مقبولاً، وفي الوقت عينه لم تهدف الجمهورية الإسلامية إلى إشعال حرب شاملة في المنطقة لما سيترتب عليها وعلى الدول المجاورة لفلسطين من خسائر بشرية واقتصادية هائلة، فإنهاء الوجود الصهيوني على أرض فلسطين كما ايّ شعب محتلة ارضه هي مسؤولية الشعب الواقع تحت الاحتلال أولاً بالمقاومة على أرضه ثم يأتي الدعم الإيراني ليسانده ويمدّ إليه يد العون بما يحتاجه من مال وسلاح وتدريب وخبرات تقنية، لأنّ مقاومة الاحتلال أمر مشروع قانوناً وينطلق دعمه من مبادئ أخلاقية وإنسانية وإيمانية.
هذا الدعم يصبح أكثر إلحاحاً في هذه الظروف التي يشنّ فيها جيش العدو حرب إبادة وتهجير ضدّ شعب غزة الذي تخلت عنه الأنظمة العربية الرسمية فيما هو يقدّم التضحيات الجسام من دماء نسائه وأطفاله ومدنييه وبناه التحتية ومساكنه. وانْ كان هناك من يسأل لماذا لا تقوم إيران – التي لم تبخل في دعمها له ولمقاومته بكلّ أنواع الدعم كما لكلّ حركات المقاومة التي تساند مقاومة غزة – بفتح حرب شاملة ضد كيان العدو، فالجواب عنه يعود الى قوى المقاومة التي تقدّر ظروفها واستعداداتها، وهي التي تقرّر ما إذا كانت شروط الحرب الشاملة مؤاتية في الوقت الراهن أم لا. لكن، من غير المستبعد ان يعجّل العدو، نتيجة حماقته وعنجهيته، بإنضاج هذه الظروف بنفسه لو أقدم على مغامرة كبرى في شنّ ضربة عسكرية على الأراضي الإيرانية بشكل يجعل الجمهورية الإسلامية مضطرة للردّ بشكل حاسم قد يغيّر وجه المنطقة ويحسم الصراع التاريخي مع هذا العدو المحتلّ الغاصب لفلسطين.
ولعلّ إصرار نتنياهو على القيام بمغامرة الردّ مستنداً إلى دعم حلفائه الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية سيدفع المنطقة نحو تصعيد خطير.
فهل يتجرّأ رئيس الحكومة الصهيونية على القيام بهذه الخطوة بالرغم من تحذيرات دول الغرب له؟
بعد مداولات مكثفة ومعمّقة لمجلس الحرب الصهيوني على مدى جلسات متعددة، رسا الأمر على القيام بردّ محدود «لا يأخذ المنطقة إلى حرب شاملة» كما يدّعون. فماذا سيكون الردّ الإيراني على الردّ الصهيوني؟ وهل تتسلسل الردود وصولاً إلى الحرب الكبرى؟
واضح انّ ايران قد عقدت العزم على ردّ الصاع صاعين، فهل تنشب الحرب الكبرى بين الكيان الصهيوني ومحور المقاومة؟ وهل تنجرّ أميركا إلى هذه الحرب؟
من الواضح أنّ الرئيس بايدن يحاول تجنّب شرب هذه الكأس المرة وهو على أبواب انتخابات رئاسية، لا سيما أنّ الكونغرس الأميركي لا يريد هذه الحرب نظراً إلى الوضع الاقتصادي المتردّي في الولايات المتحدة وهبوط قيمة الدولار في مقابل الذهب، وكذلك العجز الذي تبديه دول الاتحاد الأوروبي عن الاستمرار في دعم أوكرانيا عسكرياً ومالياً في مواجهة روسيا، فضلاً عن العبء الجديد الذي تتحمّله حالياً في دعم الكيان الصهيوني، دون أن ننسى التحدّي الصيني في الشرق الأقصى، فماذا ستفعل أميركا وماذا سيفعل نتنياهو؟
سنشهد على مدى الساعات والأيام المقبلة حملة تهديدات من الجانب الصهيوني تستهدف تثبيط الجانب الإيراني الذي أنهى بضرباته للكيان الغاصب ما كان يسمّيه «الصبر الاستراتيجي» وانتقل إلى مسار الردع الحربي المباشر. وبناء عليه، فهل يركب نتنياهو رأسه ويقدم على ضربة عسكرية في العمق الإيراني، أم يستعيض عنها بضربات أمنية مستخدماً عملاءه في إيران؟ ومن غير المستبعد ان يأتي الرد «الاسرائيلي» من القاعدة العسكرية التابعة للعدو في أذربيجان.
أيا كان الردّ الصهيوني، فهو سيجعل إيران أمام خيارين: أما الردّ المباشر بضربة عسكرية قاصمة، أو باستهداف المصالح الصهيونية خارج الأراضي المحتلة. وفي الحالتين فإنّ التصعيد المتبادل سيستمر إلى حين تأتي اللحظة التي نشهد فيها إما نضوج التسوية المرحلية التي تجري المفاوضات بشأنها على قاعدة وقف العدوان الصهيوني المجرم على غزة وتلبية مطالب المقاومة بانسحاب جيش العدو من القطاع وعودة النازحين واستعادة الأسرى وإعادة الاعمار، أو تنفجر الأوضاع بشكل يؤدي إلى حرب شاملة تنخرط فيها إيران وكّل حركات المقاومة في المنطقة في حرب شاملة ضدّ الكيان الصهيوني وحليفته الأولى أميركا والقوى الغربية الداعمة للكيان. وعندها ستشتعل الحرب أيضاً بين المقاومة في لبنان والجيش الصهيوني على الجبهة الشمالية التي سيحاول فيها العدو التوغل داخل الأراضي اللبنانية وضرب المدن والقرى والبنى التحتية، لكن العدو سيتكبّد في المقابل خسائر فادحة تجعله ينكفئ، إنما يجب توقع سقوط ضحايا كثيرة من الجانبين وتدمير كبير في لبنان والكيان الغاصب. وإذا ما حصل كلّ هذا، فلن ينجو العدو من اللحظة التاريخية التي ستنهي وجوده في المنطقة، لأنّ الصهاينة الذين غزوا فلسطين واحتلوها بالقوة وارتكاب المجازر، أو جاؤوا إليها بناء على قناعة كوّنتها لديهم المنظمة الصهيونية العالمية بأنّ أمنهم مصان ورغد العيش مؤمّن. فمتى فقد هذان العنصران يصبح استمرار وجودهم في هذا الكيان متعذراً. وهكذا ستكون المنطقة على أعتاب حقبة جديدة من تاريخها يصبح فيها التحرير أمراً منجزاً وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم أمراً متاحاً وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على كلّ أرض فلسطين أمراً مشهوداً.
لكن، ماذا عن مصير الأنظمة العربية المتحالفة مع أميركا والغرب والمطبعة مع الكيان الصهيوني بعد ان ربطت وجودها واستقرارها به وببقاء احتلاله لفلسطين؟ الجواب عن هذا السؤال ستحدّده السنوات القليلة المقبلة.