من يدعم ويحمي الكيان الصهيوني في مواجهة إيران المقاومة؟
} د. جمال زهران*
صباح الأحد 14/ أبريل (نيسان) 2024م، انطلقت الهجمة الواسعة بعدد (330) مُسيّرة وصاروخا، من إيران إلى قلب الكيان الصهيوني، لتضيف يوماً جديداً في طريق النضال من أجل تحرير فلسطين وبيت المقدس، من النهر إلى البحر، بعد يوم «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023م. فأصبحنا نمتلك في حركة النضال يومين تاريخيين، الأول: هو السابع من أكتوبر/ تشرين الأول باسم «طوفان الأقصى»، والثاني: هو: «الوعد الصادق» يوم 14 أبريل/ نيسان، حيث وللمرة الأولى تنغمس الجمهورية الإيرانية في مواجهة عسكرية ومباشرة مع الكيان الصهيوني منذ اندلاع الثورة الإيرانية في فبراير/ شباط 1979م، والتي أتت رداً على الهجوم الصهيوني على القنصلية الإيرانية في دمشق.
وبين زعم البعض بأنّ هذا الهجوم كان متفقاً عليه، وهو بالتالي تمثيلية أو مسرحية، وهو من المؤكد أنه غير حقيقي، بل أسهل ما يطلق عليه أنه «لغو حديث»، ورغي مصاطب! وبين قول البعض الآخر، بأنّ الهجوم حقيقي، ولكن خسائره محدودة، فمن الواجب الإشارة إلى أنّ هذا الهجوم الإيراني، مبادرة قوية مباشرة، يحمل الرسالة المستحقة في تطوير الصراع العربي الصهيوني، والحرب الصهيونية على غزة، وهي أنّ إيران حاضرة في المعركة، ودون تردّد.
ولأول مرة يجد الكيان الصهيوني، رداً مباشراً من إيران، الدولة غير المجاورة للحدود مع فلسطين المحتلة. وقد ظنت أو اعتقدت دويلة الكيان الصهيوني المحتلّ والغاصب، أنه بقيامها بضرب القنصلية الإيرانية في دمشق، فإنها قد تحقق ردعاً لإيران بتخويفها مما هو آتٍ، وأنها لن تقدر على الردّ المباشر، وفي الوقت نفسها، فإنها استهدفت تخويف كلّ النظم العربية المطبّعة معها، لاستمرارها في مشروع التطبيع، على خلفية أنها الحامية لهم ولكراسيهم في السلطة بالأصالة عن نفسها، وبالوكالة عن الشيطان الأكبر وهو أميركا، التي تفرض هيمنتها على الإقليم وخصوصاً الدول العربية التابعة، وتفرض عليهم استمرار تبعيّتهم لها، ولإرادتها ولمشروعاتها الاستعمارية. فضلاً عن أنّ الكيان الصهيوني، استهدف تطويع بعد التخويف للنظام السعودي، بإجباره على أن يعطي الأولوية لتطبيع العلاقات معه، وبسرعة، تفادياً لما يمكن أن ينتظره في حالة عدم إتمام ذلك. وكلّ ما هدفت إليه دويلة الكيان، من هذه الضربة الموجهة، لأقوى دولة إقليمية وهي إيران، الداعمة لمحور المقاومة بكامله، في لبنان والعراق واليمن، وكلّ فصائل المقاومة الفلسطينية (حماس والجهاد وأشقائهما)، هو كسر ظهر هذا المحور من جانب، وإشعاره بالعجز عن التواصل والاستمراريّة في مجابهة الكيان، وتخويف الآخرين ممن يربضون في محور الاستسلام والانبطاح والتبعية، للمستعمر الأكبر (أميركا)، وللمشروع الصهيوني الأميركي الاستعماري. لقد أراد الكيان الصهيوني، أن يوجه ضربة قوية، لإيران، دون اعتبار أو احترام أو التزام، بقواعد القانون الدولي والدبلوماسي والقنصلي.
فماذا كان ردّ فعل إيران غير المتوقع من جانبي الكيان الصهيوني، وراعيته (أميركا)، وتوابعهما في الإقليم العربي والشرق أوسطي؟
قامت إيران بتوجيه ضربة عسكرية كبرى، بلا شك، إلى قلب الكيان الصهيوني، ونشر أنّ هذه الضربة ذهبت إلى أماكن متعددة، ومنها مفاعل ديمونة، وقواعد عسكرية انطلقت منها الطائرات التي دمّرت القنصلية الإيرانية في دمشق، وغيرها مما سبق نشره في مقالي السابق.
والسؤال: هل استطاعت دويلة الكيان الصهيوني، وحدها مواجهة هذه الضربة العسكرية الإيرانية؟ أم كانت في حاجة إلى مساعدين وداعمين لها؟! فالواضح أنّ أجهزة المخابرات لأميركا ودول أوروبا الاستعمارية، قدمت مساعداتها للكيان، وتوفير كافة المعلومات من خلال استخدام كلّ أدواتها ومن خلال عملائهم في المنطقة، ومن خلال كلّ قواعدهم العسكرية التي انفضح وجود أغلبها في دول غير معروف أنها توجد فيها مثل هذه القواعد، على أرضها، والتي عملت جميعها، وجهّزت نفسها، لاحتمالات وقوع هذه الضربة الإيرانية، عقب الضربة الصهيونية للقنصلية الإيرانية، لتفادي أي خسائر محتملة!! والغريب، أنّ أميركا صرّحت رسمياً عبر رئيسها بايدن، ووزير خارجيتها، أنها لم تعرف بالضربة مسبقاً، تفادياً لتعرّض قواعدها في المنطقة لأي ضربات من محور المقاومة! في الوقت الذي صرّح النتن/ياهو، أنه أثناء تنفيذ الضربة، تمّ إبلاغ أميركا رسمياً، دون تشاور أو إبلاغ مسبق! كما أنّ الكيان الصهيوني من الداخل، عاش الرعب من جراء التصريحات الكبرى، من قادة إيران على كافة المستويات، بأنّ ردّ إيران حتمي على الضربة الصهيونية ووصل الأمر إلى رسائل عديدة، وصلت إيران، بإلغاء الضربة، أو جعلها محدودة، حرصاً على ماء الوجه، إلا أنّ إيران رفضت نهائياً وأصرّت على توجيه ضربة كبرى.. ردعاً لهذا الكيان من تصرفات عدوانية يمكن أن يفكر أو يقوم بها مستقبلاً، في إطار قواعد اشتباك جديدة.
وقد كشفت المعلومات أنّ الدول الداعمة لهذا الكيان الصهيوني في مواجهة الضربة العسكرية، كانت على التوالي: أميركا وبريطانيا وفرنسا (رموز الاستعمار التقليدي والحديث) وهو الذي يتسم بالحقارة وانعدام الإنسانية، والازدواجية في التعامل، وانعدام المبادئ، والوقاحة إلى حدّ الفجور. كما أنّ أدواراً إقليمية تمثلت في دول عربية أبرزها: الأردن، ساعدت الكيان في الحدّ من وصول الطائرات الإيرانية المُسيّرة، إلى حدّ افتخار شقيقة الملك، وهي طيارة، بأنها أسقطت وحدها 5 طائرات إيرانية مُسيّرة! وتمّ تفعيل كلّ القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة، بالخليج العربي وبالعراق، وبالأردن، وتمّ تفعيل القواعد العسكرية البريطانية والفرنسية في قبرص وغيرها! وقد توافرت المعلومات لدَيّ، عن حجم التحركات من كلّ هذه القواعد، والدول المشاركة بالتفصيل، وما قامت به، لعلّ من يتقوّل أن ما حدث هو مسرحية! يفيق من غفوته، ويدرك أنّ الإقليم دخل مرحلة جديدة.
وقد تأكد بالفعل أنّ الكيان الصهيوني، لم يستطع وحده أن يواجه الضربة العسكرية التي تمّت في الرابع عشر من أبريل/ نيسان، فما بالكم مما هو آتٍ، حيث إن إيران أصبحت دولة فاعلة، ومواجهة مباشرة مع الكيان الصهيوني الذي لم يعد قادراً على حماية نفسه، وتعرّض بالفعل للتآكل الداخلي، الذي سيُفضي حتماً إلى انهياره الشامل، والتعجيل بإنهاء وجوده الاستعماري في الإقليم، وإنهاء وجود كلّ ما يدعمه. فقد أصبح الكيان الصهيوني في انحسار وفي العدّ التنازلي، للزوال، وغداً سنرى، إنْ لم يكن من اليوم…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية