هل أعطى بايدن الضوء الأخضر لحرب جديدة؟
ناصر قنديل
– بخلاف كل تحليل منطقي للواقع الانتخابي السيئ لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ونصائح ممولي حملته الانتخابية وما تقوله استطلاعات الرأي بأن عليه تغيير موقفه من الحرب على غزة كي يرفع حظوظ فوزه في الانتخابات، يدير بايدن ظهره لكل ذلك ويكتفي بكلام اعتراضي على سلوك حكومة الكيان وجيشه المتوحش والإجرامي بحق الفلسطينيين، ويضبط إيقاع موقفه السياسي على معادلة، زيادة المساعدات والسعي لصفقة تبادل أسرى مع هدنة، مشاركاً حكومة الكيان رفض وقف الحرب ورفع الحصار وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة، ويؤكد التزام إدارته بالمشاركة العملية في التصدّي لأي خطر يتعرض له الكيان، كما حدث مع الرد الإيراني على الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق، وتزويد الكيان بكل عناصر القوة سلاحاً وذخيرة، بما فيها الأنواع القاتلة المحرمة والثقيلة والمعروف سلفاً أن ضحاياها سوف يكونون من المدنيين.
– قانون المساعدات العسكرية لكل من أوكرانيا والكيان وتايوان بما يقارب 100 مليار دولار، بإجماع الحزبين الديمقراطي والجمهوري، يعني أن الدولة العميقة قرّرت مواصلة تمويل الحروب ولو دون أمل بالفوز بها، فقرّر الحزب الجمهوري أن لا يصغي لصوت قواعده الرافضة لتمويل الحرب في أوكرانيا، وقرّر الحزب الديمقراطي أن لا يصغي لقواعده المطالبة بوقف الجرائم التي يرتكبها جيش الكيان في غزة ووقف تسليحه. وإذا بدأنا بالسلاح المرسل الى تايوان فإن البديهي هو رفع منسوب التعنت التايوانيّ في التخاطب مع الصين، وزيادة نسبة التوتر بين الصين وتايوان. أما في أوكرانيا فإن وظيفة أكثر من خمسين مليار دولار من الأسلحة والذخائر هي إدامة الحرب، وتمكين الجيش الأوكراني من المزيد من الصمود، رغم الإدراك المسبق أن هذا سوف يؤجل سقوط الحكم والجيش في أوكرانيا لشهور وليس أكثر، وأن جرعة أكبر ستكون ضرورية بعدها لضمان القدرة على الصمود، وقد صار الاعتماد على المرتزقة من جنود الجيوش الأوروبية، للبقاء في جبهات القتال، لكن لن يفيد ذلك في تغيير وضع الجبهات لصالح أوكرانيا، وعلى ما يبدو أن القرار الأميركي هو إدامة الحرب، وتشغيل مصانع السلاح والذخائر، مرة تلو مرة بزيادات متلاحقة.
– بالنسبة للوضع الأشد حرجاً الذي تمثله حرب غزة وتداعياتها على الوضع في المنطقة، خصوصاً بعد الرد الإيراني وتغيير معادلات الردع، يبدو أن القرار مشابه لحالة أوكرانيا، إدامة الحروب، حيث يصعب تخيّل أن بنيامين نتنياهو وهو يتلقى هذه الشحنات الهائلة من السلاح والذخائر يمكن أن يصرف النظر عن معركة رفح، ولو اضطر لخوضها على مراحل تمتد شهوراً متواصلة، وهو بقي في معركة خان يونس أربعة شهور دون طائل قبل أن ينسحب منها، وإذا كان تفادي الحرب الكبرى في المنطقة لا يزال ساري المفعول فإنه لا يمنع من اللعب على حافة الهاوية، عبر تصعيد مع لبنان لا يصل الى تجاوز الخط الأحمر العريض لاستهداف العاصمة والضاحية الجنوبية، منعاً لاستدراج ردود قاتلة على تل أبيب والمنطقة المركزية في الكيان المسماة غوش دان، وكذلك التزام الخط الأحمر الإيراني العريض بعدم استهداف الأراضي الإيرانية، لكن هذا لا يمنع من المخاطرة باختبار معادلات الردع الجديدة وحدودها في حال مواصلة الغارات على سورية، وتولي مهاجمة مواقع المقاومة العراقية.
– الدولة العميقة الأميركية بإجماع الحزبين قرّرت وضع مواصلة الحروب خارج التنافس الانتخابي، على خلفية أن التراجع أمام ثلاثي روسيا والصين وإيران، خيار حتميّ لوقف الحروب او صرف النظر عنها وفقاً لموازين القوى القائمة، ويعني التسليم بخسارة النفوذ في أكثر من نصف العالم، وهو النصف الأهم بحيوية موقعه وثرواته وطابعه الاستراتيجي. وبالتالي تسليم بنهاية الدور الإمبراطوري. وإذا كانت الحرب الكبرى تسرّع الفشل الكبير، فإن اللاحرب تجعله أقرب، فلم لا يتم اختبار إطالة أمد نصف الحرب، ولو تمت الانتخابات في ظلها. ويكفي أن ننظر إلى كيفية التعامل مع الحركة الطالبية المتصاعدة احتجاجاً على الحرب ضد غزة، ورؤية خطاب الحزبين الموحّد لشيطنة هذه الحركة وتغطية القمع الوحشيّ ضدها، لنعرف أن حرب وجود تخوضها أميركا وليس كيان الاحتلال فقط.