ليلى… البنت الفلسطينية في مواجهة الذئب «الإسرائيلي» المؤذي
لمى نوّام
المرأة الفلسطينية بارزة في معرضه، إذ خصّص لها 14 لوحة، لاعتباره أن المرأة رمز استمرار الحياة، وهي عنصر الأرض، فطالما هناك امرأة نجد مقاومين إن كان في لبنان أو فلسطين أو العراق أو سورية. فلسطين التي أبرزها في منحوتة بعنوان «ليلى والذئب»، تروي قصة «ليلى»، البنت الفلسطينية في مواجهة الذئب «الإسرائيلي» المؤذي.
هذه المنحوتة عرضها الفنان التشكيلي يونس الكجك في معرضه «مقاربات الحال في تناسخ المدن» الذي افتتحه يوم الاثنين الماضي في المركز الثقافي الروسي حيث درس لـ25 سنة، وبرعاية أستاذه الذي تتلمذ فنياً على يديه الدكتور حسين يتيم، رئيس «مؤسّسات المعهد العربي». كما جسّد الكجك حرب تموز وكيف أرسل «الإسرائيليون» طلابهم إلى الثكنات العسكرية ووقّعوا على القذائف والطائرات والصواريخ. أما اليوم، فأتى الأطفال اللبنانيون إلى المعرض، وعلّقوا صور أشلاء الأطفال الذين استشهدوا في الحروب على منحوتة «ليلى والذئب» لتؤرّخ في المعرض.
نشأ الفنان التشكيلي الفلسطيني يونس الكجك والريشة حلمه، كما نشأ شاعراً والكلمة حجته. تعبّر أعماله عن الآمال، الأحلام، الهموم وآلام معاناة بحجم العالم. إنّها معاناة الشعب الفلسطيني.
بُنيت شخصية الكجك في منطقة صبرا البيروتية، التي عاش بؤس أهلها وشهد مأساتها وشاهد سكاكين بني صهيون التي لا تفرّق بين لبنانيّ وفلسطيني وفق عقيدة إذبح اقتل. فعصفت به رياح الحرب هجرةً إلى باريس الفرنسية، حيث استقر فيها 25 سنة، وأسّس محترفاً للرسم والفنون الجميلة، وأصبح عضواً في نقابة الفنانين التشكيليين الفرنسيين، وعضواً في جمعية الفنانيين اللبنانيين للرسم والنحت.
درس يونس الكجك العلوم السياسية، لكنه لم يجد طموحه فيها، فلجأ إلى عالم الفن التشكيليّ، كما درس العلوم الاجتماعية، وقرّر أن يُجري دراسة عن الفنان غوستاف مونرو، وهو سيد الفن الرمزي في فرنسا، وقتذاك، قرّر الكجك أن يسافر إلى فرنسا، ومن هنا بدأت حياته الفنية.
وفي حديث أجرته معه «البناء» قال الكجك: «اكتشفت أن هناك رابطاً جوهرياً بين دراستي الأكاديمية وموهبتي الفنية. فدراسة الاجتماع والعلوم السياسية عزّزت موهبتي الفنية. وكما للسياسة دور في النضال ضد الاحتلال، فإن للفن دوراً لا يقل أهمية، باعتبار الفن رسالة سامية تعكس تطلعات الشعوب، خصوصاً الشعب الفلسطيني الذي يعاني الويلات تحت الاحتلال منذ أكثر من ستة عقود. ولذلك كانت دراستي السياسية مهمة على صعيد تعزيز فهمي دور الفن اجتماعياً وسياسياً في النضال ضد المحتل، وإدراك أولويات الشعوب للتعبيرعن قضاياهم وهمومهم».
وعن القضايا التي تثيره فنياً، يقول الكجك: «الفن رسالة سامية لا تتركز على قضية واحدة، فالفنان يجب أن يركز على جميع القضايا الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ومن وجهة نظري الخاصة، للفن في فلسطين المحتلة طبيعة خاصة، إذ يجب على الفنان أن يركز على القضايا المختصة بالحفاظ على الهوية والإرث والثقافة الوطنية التي تحاول سلطات الاحتلال بإصرار أن تزوّرها وتطمسها، بعدما سلبت الأرض».
وعن تجربته في عالم الشعر قال الكجك: «الشعر حالة سمعية أحوّلها إلى ألوان على مساحات فضائية، أعيش فيه خلال الوحدة المركّبة لونياً بين الواقع والخيال، فأعيد كتابة اللون بأحرف من نور ملوّن».
وعن ديوانه الأخير «أصابع القمر» قال: «ديواني يروي قصة رحلتين قمت بهما إلى قطاع غزّة المحاصر بالأسلاك، وعن معاناة أهلها وعذابهم في السفر، إذ إنهم يواجهون شتى أنواع العذابات والشتائم والإهانات في سبيل حقوقهم التي نصّ عليها القانون كما حقوق الإنسان، إلا أنّ الحقيقة للأسف مرّة سوداء تكبّل حقهم في العيش بكرامة، وهكذا يتحوّل الديوان إلى لحن وجدانيّ من جواز للسفر وبوابة للمعبر».
شارك الفنان يونس الكجك في أربعة معارض فردية في لبنان، وفي عدد كبير من المعارض المشتركة في باريس والعالم، وتناولت مواضيعها السريالية التي كان متأثر بها.
كجك متأثر بالقضية الفلسطينية التي برزت روحيتها في معظم لوحاته، كونه من غزة وذهب إليها مرتين ويحلم أن يستقر فيها. فالقضية الفلسطينية من وجهة نظره هي ثقافة لا يمكننا إنكارها. ولأنه يحمل الجنسية الفرنسية، كانت لديه مهمة كسر الحصار عن غزة، ودرّس فيها وعمل في مهمة تعليمية تدريبية.
وحول سؤاله عن تسميته المعرض «مقاربات الحال في تناسخ المدن» أجاب: «المعرض يتناول تدمير المدن العربية وتدمير الحضارة العربية، المدن تتنقل من دولة إلى دولة ومن مكان إلى مكان. فعملية تدمير الحضارة مبرمجة ومنظمة بدءاً من غزة مروراً بدمشق. في المعرض ملامح لتدمير المدن في كل مراحلها، نرى تونس، العراق، فلسطين، غزة، الكويت، ليبيا، مصر، كل لوحة في حدّ ذاتها أسطورة. وهذا المعرض هو الأول في تاريخ المجتمعات العربية الذي يشهد وزارةَ دفاع تساعد فناناً تشكيلياً في تنظيم معرضه الشخصي من ناحية القذائف التي حصلتُ عليها من وزارة الدفاع اللبنانية، وهنا لا بد من توجيه أكبر تحية للجيش اللبناني».
بلغ عدد اللوحات في «مقاربات الحال في تناسخ المدن» 45، وتميّزت بشفافية الألوان، إذ استخدم الكجك الألوان المائية والحبر والفلّين الأبيض، باستثناء جدارية غزة وصليب بغداد، إذ استخدم فيهما الألوان الزيتية والقماش.
ويقول الكجك: «المواد والخامات من قذائف، قماش، ذخيرة، كرتون، ألوان مائية وزيتية وحبر، خشب، بلاستيك، وقلّما نجد فناناً تشكيلياً يستخدمها مجموعةً».
وردّاً على سؤال حول اللوحة الأبرز في معرضه قال: «إنها لوحة صليب بغداد، ولدت في ذاكرتي من فضيحة أحداث سجن أبو غريب. كانت الصور صادمة وطُبعت في مخيلتي. خطر في بالي أن أجسد فكرةً تتماهى مع الواقع الحالي في العراق. بوش يقول في تصريحاته إن الحرب كانت صليبية. وبرأيي، ليس بوش المسؤول الوحيد عن جريمة العراق. إنما هناك دول عربية مسؤولة. تعمّدت إبراز صوَر الصليب والهلال فيها، وأبرزت الرجل المصلوب مغطى الوجه مثلما حدث في سجن أبو غريب، الرجل المصلوب والمعلق على أسلاك كهربائية. اللوحة فيها شطرنج، إنها لعبة الملوك ولعبة الحروب في العالم وفيها بيدق. ورسمت خلفية اللوحة بإصبعي، بألوان شفافة وطبقة فوق طبقة قرّرت استعمال ألوان شفافة كي لا تظهر فيها ملامح الريشة، لإعطاء شفافية للوحة ولتتداخل الألوان مع بعضها».
وفي المعرض منحوتة أسماها الكجك «علي بابا والأربعين حرامي»، وهي مكوّنة من حديد وقذائف، أبرز فيها الفنان شخصيات ساهمت في تدمير المجتمعات العربية، ووضع صور أولئك على القذائف، مثل: مارغريت تاتشر، شارون، كونداليزا رايس، هنري كسنجر، كولن باول، غولدا مائير، موشي ديان، بيل كلنتون، جورج بوش وغيرهم، يمثلون 40 مجرماً ساهموا في الاجرام بحقّ لبنان وفلسطين.
وفي ختام اللقاء، قال الكجك: «ما يجري في غزة أكبر جريمة منظّمة عربياً، لأن هناك مليوني شخص في العالم الحديث يعانون من الموت البطيء. إن من يقف خلف هذه الجريمة بعض الأنظمة العربية».
وأضاف: «لديّ مشروع تعليميّ في غزة، إنما هناك عائق، ألا وهو المعبر إلى غزة. طموحاتي المستقبلية أن تصل الصورة والفكر العربي الحقيقي إلى العالم أجمع لأننا نستحق الحياة، نستحق أن نفكر ونستحق أن نرى كيفما نشاء».
قصيدة «بكائيات غزّة»
أيتها النقيّة أيتها البهيّة
بلا تاج وبلا عقود ذهبيّة
لقد غرقت بين سحب غمامك وبحرك
بلا مهد ولا زوارق خشبيّة
فجرك صباح الشهداء
يأسر الروح والنفوس
وأرضك أنغام وألوان ونرجس وثوب عروس
يتوّج الفجر أرضك
بسنابلٍ من القمح تاجاً للجمال
وفوق مروجك التي هجرتها الطيور يعلو القتال
وقصيدة غرق في حدود الرمال
أهاجر خلف الكثبان وتلال الجمر
أحمل جثتي وقارورة أمسي
وقليلاً من ضجر زيتي وزيتوني.
وأنغام فجري
مع حبّات قمح مهجور
من غياب الأرض ودهاليز الماضي
مع صدى أطلال وقرميد
ذي شيبة على الأنقاض
لأبحث عنك بين حدود الأوطان
وشهقات الأدمع وضجيج الطرقات.
من ديوان «أصابع القمر»