خطة إنقاذ متكاملة أو أزمة مفتوحة…!
} د. علي السيد*
حوالى 60% من اقتصاد لبنان أصبح اقتصاداً أسود أيّ أنها نسبة الأنشطة التجارية التي تجري خارج نطاق القوانين وبعيداً عن الالتزام بالموجبات الضريبية، كلّ هذا حصل بفعل انهيار القطاع المصرفي منذ العام 2019 ونمو الاقتصاد النقدي وسط غياب شبه كامل للحكومات عن القيام بأيّ إصلاحات تكبح هذا الانهيار، وصولاً إلى تلويح مجموعة العمل المالي FATF من تصنيف لبنان على القائمة الرمادية، وهي منظمة دولية معنية بتقييم مدى التزام الدول بالمعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب وانتشار التسلح.
عملياً ما يؤخر هذا التصنيف هو تعاون حاكم المصرف بالإنابة وسيم منصوري مع الطلب الأميركي الأخير للتضييق على المؤسسات المالية التي تنافس المصارف من خلال تحويلات مصرفية وتطبيقات إلكترونية، وهذه الخطوة هي واحدة من 6 توصيات يعمل عليها منصوري لاستكمال التزام لبنان بكامل توصيات مجموعة العمل المالي، مع الإشارة إلى أنّ لبنان سجّل التزاماً كاملاً بـ 34 توصية من أصل 40 في التقييم الذي أعدّته المجموعة نهاية العام 2023.
إلّا أنّ تأخير هذا التصنيف لن يطول كثيراً مع سياسة المراوحة المعتمدة في ظلّ عدم اتخاذ الخطوات اللازمة للخروج من الانهيار، وأولى هذه الخطوات هو العمل على إعادة الثقة بالمصارف الأمر الذي يتطلب خطة إعادة هيكلة ونية صادقة لإعادة الودائع لأصحابها، لا شطبها كما حاولت الحكومة أن تُمرِّر في الخطة التي عرضتها قبل أسابيع.
كما أنه يسجّل للحاكم بالإنابة ضبطه للكتلة النقدية من خلال تجفيفها من 80 ترليون ليرة إلى ما دون الـ 50 ترليون ليرة، من خلال سياسة مالية ونقدية جديدة لا تعتمد على شراء الدولار من السوق وتصرّ على عدم تمويل الدولة ولو بقيمة دولار واحد من دون قانون، مما أرسى استقلالية لمصرف لبنان عن الدولة، ما ترجم استقراراً في سعر الصرف عند 89500 منذ عام تقريباً.
مرّت 5 سنوات على الأزمة تقريباً ولا زلنا نهوي في السقوط الحر، صحيح أنّ سعر الصرف مستقرّ ولكن ما يهمّ التأكيد عليه أنّ هذا الاستقرار هو مرحلي وظرفي ومرتبط بإجراءات مؤقتة وتعاميم محدّدة ولكنها غير بنيوية ولذلك تبقى غير كافية لتأمين معالجة مستدامة واستقرار دائم.
ما نحتاجه اليوم هو خطة متكاملة تبدأ بعملية استعادة للثقة بشكل تراكمي ومنهجي على مدى 3 أو 5 سنوات تشمل هيكلة للمصارف وكابيتال كونترول وقوانين لسياسة مالية جديدة متناسبة مع الواقع الجديد للأزمة، وكلّ هذا لن يحصل في ظلّ الانقسام السياسي الحاصل بل على العكس فإنّ الوضع الحالي يجعل الأزمة مفتوحة على كلّ احتمال.
*خبير مالي واقتصادي