اليمن: الحرب وظيفة الموقع
وليد زيتوني
يبدو أنّ حركة الأحداث في اليمن عبر التاريخ لم تتوقف، لارتباطها بأهمية الموقع الجغرافي. وهي تتشابه في دورات صراعها، مع كثير من البلدان التي تكوّن الجغرافية فيها سبباً من أسباب شمولها بمشاريع الهيمنة الخارجية. خصوصاً إذا كانت الدول التي تحتضن الموقع غير قادرة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً على الاحتفاظ به، إما لعوامل ذاتية أو نتيجة لعمل خارجي يستهدف البنى الاجتماعية، ثقافياً وسياسياً وأمنياً. فباب المندب يعتبر من أهمّ الممرات المائية التي تسيطر على قسم كبير من التجارة العالمية، وعلى وجه التحديد حركة مرور النفط، فهو يشكل مع مضيق هرمز ثنائي حاكم على بترول الجزيرة العربية. ويتماثل مع مضيق جبل طارق ومضيقي البوسوفور والدردنيل وقناتي السويس وبنما من حيث عالمية الاستخدام، وتوجه القوى الكبرى والفاعلة من التطلع نحوهم بعين السيطرة أو وضع اليد مباشرة أو بالوكالة عبر حكومات ركيكة وأنظمة هشّة.
لم تكن اليمن حرة في خياراتها نتيجة استحواذها جغرافياً على باب المندب، حتى ما قبل قيام الدولة الحديثة، وهي لم تقم فعلاً إلا جزئياً وموضوعياً على مناطق صغيرة منها. فالقبائلية والعشائرية لم تزل هي الصورة الحقيقية للنظام القائم حتى في أوج الصراع بين الشمال والجنوب، على رغم وجود عدد كبير من الذين تيسّر لهم العلم والاطلاع على الثقافات الأخرى.
في الواقع، وبغضّ النظر عن التناقضات الداخلية اليمنية، القديم منها والمحدّث، الحقيقي والمصطنع، فالعوامل الخارجية التي عملت على تطويره ورفع وتيرته كثيرة. ويقع في مقدّم هذه العوامل، التدخل السعودي المباشر عبر التاريخ. فالسعودية المرتبطة مباشرة بالسياسة الإنكليزية ووريثتها السياسة الأميركية، ما زالت تخلق المبررات والذرائع للتدخل الخارجي وتمهّد له. طبعاً للسعودية مشروعها الجيوبولتيكي ليس في اليمن فحسب وإنما أيضاً في اتجاه الشمال في العراق والأردن وسورية وحتى في مصر. على رغم ضعف مقومات المشروع مادياً ومعنوياً. غير أن ما يغطي هذا الضعف، كون مشروعها دائماً جزءاً من المشروع الإنكليزي أولاً ثم الأميركي في الوقت الحاضر. إنّ ما تقوم به السعودية الآن ليس إلا تضليلاً للوجه الحقيقي لمشروع النهب الأميركي الكبير.
بعد اكتشاف البترول في شمال اليمن وتحديداً في حقل الجوف، هذا الحقل الذي يشكل 34 في المئة من الاحتياط العالمي يعادل من حيث المبدأ الاحتياط السعودي، سيجعل من اليمن دولة غنية وينقلها من حالة الفقر المدقع، وبالتأكيد سيؤثر في الدور السعودي في المنطقة ويجعلها في أفضل حال متساوية معها. من هنا كانت الرشوات المتلاحقة للمسيطرين على النظام في اليمن بمليارات الدولارات، بينما الشعب يئن من الجوع والفقر والعوز وغياب التقديمات الاجتماعية التي تليق بإنسان القرن الواحد والعشرين.
هذا الخوف السعودي، بل الهلع من اليمن «الشقيق والجار» دفع المملكة إلى تكرار السيناريوهات السابقة بتذكية الخلافات الداخلية والمزروعة أساساً بأيديها تنفيذاً للرغبات الخارجية.
ليست الحرب الحالية إلا تكراراً لحروب السعودية السابقة على اليمن. ففي عام 1934 شنت السعودية حربها الأولى على المملكة المتوكلية اليمنية، بمساعدة القوات الإنكليزية المتمركزة في محمية عدن آنذاك. وانتهت باتفاق الطائف في أيار من العام نفسه. حصلت بموجبها السعودية على إيجار مناطق عسير ونجران وجيزان لمدة عشرين سنة. ولم تزل السعودية تحتفظ بهذه المناطق حتى الوقت الراهن من دون مسوغ قانوني.
وفي عام 1962 تدخلت على إثر الثورة على الملكية وتحويل اليمن إلى جمهورية بقيادة عبدالله السلال. لقد ساعدت «إسرائيل» السعودية آنذاك بعد اجتماع بين كمال أدهم وعدنان خاشقجي مع شيمون بيريس الذي كان حينها مساعداً لوزير الدفاع. وقد تمت هذه المساعدة جوياً انطلاقاً من جيبوتي، وبرياً بواسطة قوات خاصة قاعدتها اليهود اليمنيون. لقد لجأت السعودية إلى الخيار «الإسرائيلي» بعد أن خذلها حلفاؤها آنذاك، باكستان وإيران الشاه. تماماً كما حدث الآن، مع فارق واحد هو أن مصر كانت في صف الخصوم وإيران في صف الحلفاء.
إن موقع اليمن الاستراتيجي جغرافياً والثروة البترولية شكلا نقمة عليه بدل النعمة. فهل يلتفت اليمنيون إلى الأسباب الكامنة وراء الحرب؟
وهل يستعيدون وحدتهم الداخلية؟