العراق الشامخ مهد الحضارة الإنسانية و”حاكم” العالم مرتين
سارة طالب السهيل
يقف العراق صامداً شامخاً أمام أعاصير المؤامرات الدولية المعاصرة التي حاولت تفتيته ونهب خيراته، كما فعل من قبل التتار والمغول، ومع كلّ موجة من موجات العدوان يمرض العراق ولا يموت بفعل جيناته الحضارية المتوارثة عبر الأجيال وصلابة شعبه جيلاً بعد آخر في مواجهة التحديات الجسام الذي يتعرّض لها.
الغرب كله يتآمر عليه بينما مخزونه التراثي يقوّي عضده ويثبته عند الشدائد.
ولا غرابة في ذلك، فالعراق هو البلد الوحيد الذي حكم العالم مرتين في التاريخ الإنساني وسنّ له التشريعات القانونية وفنّ إقامة الدول والامبراطوريات في الأزمنة القديمة قبل الميلاد.
حكم العراق العالم في المرة الأولى في عهد الملك البابلي النمرود بقوة نفوذه في مشارق الأرض ومغاربها، والمرة الثانية في عهد الملك نبوخذ نصر، ناهيك عن الإمبراطورية الأكادية وهي الأولى في التاريخ، التي أقامها الأكاديون في عهد الملك سرجون العظيم قبل حوالي 2500 عام قبل الميلاد، وعاصمتها مدينة أكاد التي بسطت نفوذها في المناطق المجاورة.
واصل العراق بسط نفوذه الدولي باسم الحضارة الإسلامية من بغداد وما أدراك ما بغداد عاصمة الخلاقة العباسية لمدة خمسة قرون.
فالتاريخ يثبت انّ بغداد لم تكسب شهرتها من فترة الخلافة العباسية، بل انها كانت عاصمة أربع إمبراطوريات عظمى حكمت العالم القديم .
ففي بغداد انطلقت أقدم امبراطورية وهي (عكركوف)، وتقع قرب التقاء نهري دجلة وديالي غرب مركز بغداد، أسسها ملك الكيشيين (كوريكالزو الأول) في القرن الـ 14 ق. م.
حكمت هذه العاصمة 4 قرون، وسُمّيت بهذا الاسم نسبة إلى الملك الكيشي، وتعتبر زقورة كيش من أكبر الأبراج الأثرية الموجودة في يومنا هذا، ويبلغ ارتفاعها 57م.
وتأتي مدينة سلوقيا في المدائن على بُعد 40 كيلومتراً (جنوب شرق بغداد) ومؤسسها (سلوقس الأول نيكاتور) أحد قادة جيش الإسكندر في مدينة سلوقيا 312 ق. م. ووقع الاختيار على موقعها بدقة لتكون نفس موقع بابل القديم، وهي حلقة وصل للطرق التجارية بين الغرب، والشرق .
أما مدينة طيسفون ـ عاصمة الساسانيين والفرثيين ـ قد بُنيت على ضفة نهر دجلة الشرقية، وقرب منطقة سلمان باك والتي تقع جنوب شرق بغداد، ومن أهمّ آثارها الباقية طاق كسرى. وبناها الفرثيون الفرس، ثم سمّاها العرب المسلمون المدائن، لأنها مكونة من عدة مدن متجاورة. وتميّزت هذه المدينة، بوفرة المياه والأرض الخصبة وكثافة النخيل وبموقعها الاستراتيجي المؤدي إلى جنوب العراق ومياه الخليج العربي .
أنشا السومريون أول حضارة معروفة نشأت في المنطقة عام 4000 ق.م، وسُمّيت على اسم مدينة سومر القديمة، وشيّدوا معابد شاهقة تُعرف باسم الزقورات .
كما ابتكر السومريون عام 3200 قبل الميلاد الكتابة المسمارية التي ساعدت في حفظ تراثهم وعادتهم وتقاليدهم .
العراق كان مهد الحضارة الإنسانية وعلم البشرية كيف يزرع، ويبتكر نظاما للري في بلاد سومر بتنظيم شبكة قنوات الري وتُرَعِه، فخلق بذلك الاستقرار وأدّى الى ظهور دولة المدينة، مثل “الوركاء” أو “أوروك” باللغة السومرية وما قبلها من ظهور الممالك ثم الإمبراطوريات .
أطلق اليونانيون على العراق اسم بلاد ما بين النهرين و تقع حاليا في 5 دول وهي العراق وشرق سورية وجنوب شرق تركيا وأجزاء من غرب إيران وما بعد البصرة في حوالي 4000 قبل الميلاد .
ابتكر العراقيون عبر تاريخهم الطويل تقنيات عديدة مثل تقنية “دولاب الفخار”، وهي آلة دوارة تُستخدم لصنع الفخار، وابتكروا صناعة النسيج وصناعة منتجات الألبان، وبرع مبدعيها في علم الرياضيات والفلك وتقسيم الساعة الى 60 دقيقة كما نفعل اليوم .
سيظلّ العراق بشعبه وتاريخه معلماً للبشرية بإرثه الحضاري وثقافاته وجينات شعبه الأبي الصامد في مواجهة أعاصير السياسات الدولية وأصحاب المطامع الكبرى، سيظلّ العراق حارساً للحضارة الإنسانية…