كانّ الحرب الإسرائيلية في أيامها الأولى: جيش الاحتلال يزداد غرقاً
} حسن حردان
تزامن توغل جيش الاحتلال في شرق رفح، مع عودته مرة ثالثة إلى محاولة اجتياح مناطق في شمال غزة، ولا سيما مخيم جباليا وحي الزيتون، والمبحوح، لكن قوات العدو المتقدّمة فوجئت بمقاومة ضارية، أوقعت القتلى والجرحى بإعداد كبيرة في صفوفها، حيث اعترف جيش الاحتلال بإصابة خمسين جندياً خلال الساعات الـ 24 الماضية، في وقت عادت المقاومة إلى قصف مستوطنات غلاف غزة بالصواريخ، وبث مشاهد تدمير دبابات ومدرّعات العدو، مما أظهر وكأن الحرب لا تزال في أيامها الأولى، نتيجة شدة وحدة القتال، والتداعيات السريعة التي أحدثتها داخل جيش الاحتلال والدوائر الأمنية، ودفع بعض المسؤولين الأمنيين إلى الاستقالة وانتقادهم لطريقة إدارة الحرب من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو…
هذه التطورات تؤكد جملة من الحقائق:
الحقيقة الأولى، إنّ جيش الاحتلال الذي يزداد غرقاً في مستنقع عزة، يعاني من استمرار عجزه في القضاء المقاومة، التي تظهر قدرات منقطعة النظير على مواصلة القتال وخوض المعارك من مسافة صفر، وتبرهن أنها لم تضعف او تتراجع.. وهذا يدلّ بوضوح على مدى استعدادها وتحضيرها لخوض حرب طويلة النفس، ويكشف في الوقت نفسه فشل جيش الاحتلال في تحقيق أهدافه في شمال غزة التي زعم انه تمكن من تحقيق إنجازات عسكرية فيها.
الحقيقة الثانية، تأكيد استمرار سيطرة المقاومة على ساحة المعركة، وانها لا تزال تملك زمام المبادرة وتتحكم بإدارة مسرح المعركة والتخطيط والاستكشاف والحصول على المعلومات حول حركة وتموضع قوات الاحتلال والقيام باستهدافها من قبل مجموعات المقاومة..
الحقيقة الثالثة، تثبت المقاومة فعاليتها من خلال إظهار قدرتها على إيقاع الخسائر الفادحة في صفوف ضباط وجنود العدو عبر إيقاعهم في الكمائن المركبة، واستهداف تجمعاتهم والأبنية التي يلجأون اليها بقذائف خارقة للتحصينات، وكذلك استهداف آليات العدو بالقذائف المضادة للدروع… حيث اعترف جيش الاحتلال بمقتل خمسة جنود في مواجهات في حي الزيتون في غزة، ومقتل أربعة جنود في شرق رفح، إلى جانب إصابة العشرات من الضباط والجنود، وأبرزهم نائب مراقب المنظومة الأمنية.
الحقيقة الرابعة، أظهرت المقاومة أيضاً أنها لا تزال تملك البراعة في معركة العقول والمهارة في إدارة المعركة وفق استراتيجية تقوم على توظيف قدراتها البسيطة، بالمقارنة مع قدرات العدو، لكن الفعّالة، وهو ما كشفته المقاومة من خلال استهدافها دبابة ميركافا في جباليا بقذيفة ياسين 105 اسقطتها مُسيّرة للمقاومة، مما برهن على قدرة المقاومة على استخدام الجو في وقت يسيطر فيه طيران العدو على الأجواء..
الحقيقة الخامسة، نجاح المقاومة الضارية في إحداث المزيد من إضعاف المعنويات في صفوف جيش الاحتلال، وتصعيد الخلاف بين القيادات العسكرية والأمنية من جهة ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من جهة ثانية، حيث اتهم الجيش حكومة نتنياهو بعدم استغلال الإنجازات العملياتية في غزة لتحقيق تقدّم سياسي، فيما أعلن مسؤول السياسات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي استقالته بسبب عدم اتخاذ الحكومة قرارات بشأن اليوم التالي للحرب.. مما يؤدي إلى تآكل ما اسماه الإنجازات التي حققها الجيش في شمال غزة.. إلى جانب تجدّد الخلاف بين وزير الحرب يوآف غالانت، ورئيس الأركان هرتسي هليفي من ناحية ونتنياهو من ناحية ثانية حول عملية رفح والمفاوضات، والاستمرار في العمليات العسكرية من دون اتخاذ قرارات، فيما اتهم الرئيس السابق لشعبة العمليات الجنرال جادي شامني الحكومة والجيش بتعريض الجنود للأذى لأسباب سياسية.. وهو الأمر الذي أكدته عائلات الجنود الذين عادوا إلى القتال في جباليا والزيتون بالقول لصحيفة معاريف الإسرائيلية: «إنّ الشعور بالإحباط يتصاعد في صفوف أبنائهم المجندين، وهم لا يثقون في القيادة ويشعرون انه تمّ الزجّ بهم في لعبة سياسية».
هذه الحقائق تؤكد انّ جيش الاحتلال لم ينجح في تفكيك كتائب المقاومة في شمال غزة أو غيرها من المناطق التي دخل إليها، وانّ المقاومة نجحت في استيعاب الخسائر التي مُنيت بها في الأشهر الماضية، وأعادت تنظيم وحداتها وكتائبها والعودة إلى جاهزيتها القتالية الكاملة، الأمر الذي أحدث صدمة في دوائر القرار الصهيوني، وكشف زيف ادّعاءات القيادة الإسرائيلية بشأن تحقيق إنجازات عسكرية في شمال غزة، مما أدّى إلى إحداث تخبّط، عسكري وسياسي في آن، لأنّ نتنياهو لا يريد وقف الحرب رغم فشل جيشه المتواصل، ولا يريد صفقة توقف الحرب، لأهداف سياسية شخصية باتت معروفة ومكشوفة متعلقة بمستقبله السياسي والخوف من مواجهة المحاسبة عن الفشل والإخفاق في 7 أكتوبر وفي الحرب أيضاً.. وهو ما يزيد من حدة الخلافات بينه وبين قادة المؤسسة الأمنية والعسكرية، الذين أصبحوا أكثر قناعة بأنّ الحرب لم تعد مجدية لا سيما في ضوء الأنباء المتواترة من ميدان القتال في الشمال والجنوب، والتي تؤشر إلى استحالة القضاء على المقاومة.. التي برهنت أنها نجحت في إغراق جيش الاحتلال في مستنقع غزة.