نزاع القبائل خطوة على طريق تهجير الفلسطينيين!
} ريم عبيد
لم يكن تقديم مصر شكواها لـ «إسرائيل» بسبب رفع العلم «الإسرائيلي» على معبر رفح بدلاً عن الفلسطيني بحسب «هآرتس» العبرية، حدثاً يمكن تمريره بالنظر الى قدرات مصر وموقفها المتقدّم في دعم القضية الفلسطينية منذ عقود وتقديم التضحيات في سبيل إحيائها. ولكن يبدو أنّ بنود اتفاقية كامب ديفيد أحادية التنفيذ ليست ملزمة للجانب «الإسرائيلي» الذي تجرّأ على خرقها من دون أدنى تحرك من الجانب المصري، ما يوحي ببداية عهد يمكن وصفه بالتخلي المصري عن القضية… وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للسؤال عن الدور الموكَل إلى مصر في أثناء العملية «الإسرائيلية» في رفح التي تمّت بتنسيق أميركي كامل وارتباطه بمخطط تهجير الفلسطينيين وتقويض دور حماس من بوابة القبائل المصرية على ضوء صفقة «رأس الحكمة» الممولة إماراتياً…
اتحاد القبائل العربية
بذرة نزاع قبائل سيناء
قد تكون مصادفة ان يكون الأربعاء الموافق للثامن من مايو إعلان الجيش «الإسرائيلي» عن بدء تنفيذ عملية دقيقة لمكافحة الإرهاب في مناطق محدّدة شرق رفح، وفي الأربعاء الذي سبقه كان قد تمّ الإعلان عن «اتحاد القبائل العربية» برئاسة رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، الذي يملك سيرة ذاتية مثيرة للجدل، وهو الذي قيل إنه تمّت الاستعانة به من قبل السلطات المصرية في حربها ضدّ «التنظيمات الإرهابية» بشمال سيناء قبل سنوات، واستهدف عدة مرات من قبلها؛ وفي ظلّ الانقسام الحاصل حول إعلان الاتحاد وحول شخصية رئيسه… بذور فتنة تلوح في الأفق ويحذر منها مراقبون، قد تستدعي تدخلاً دولياً لوأدها، ما يفتح الباب على إيجاد ذرائع للسيطرة على المنطقة بغية التصرف بها لصالح مشاريع توسعية وربما تهجيرية وقد تكون أبعد من ذلك.
السيسي اسماً
لإحدى مدن الجيل الرابع
بموازاة إعلان تأسيس الاتحاد، الذي اختير السيسي رئيساً شرفياً له، أطلق خلال المؤتمر اسم «السيسي» على إحدى مدن الجيل الرابع، المزمع إنشاؤها في صحراء قرية العجرة المحاذية للحدود المصرية مع فلسطين المحتلة، والتي كانت قبل ثلاث سنوات إحدى التمركزات الرئيسية لتنظيم «ولاية سيناء».
وتقع قرية العجرة في أراضي قبيلة السواركة وعلى مقربة من حدود مصر مع رفح الفلسطينية، على مساحة نحو 15 كيلومتراً مربعاً، التمركز الأساسي لقبيلة الترابين التي يعود لها العرجاني في مناطق شمال سيناء. ومنذ نهاية 2022 شرع العرجاني في شراء مساحات واسعة من أراضي العجرة من أصحابها السواركة بمبالغ كبيرة.
هل يتمّ تخصيص هذه المدينة للمهجرين من الفلسطينيين، على ضوء الدور المناط بالعرجاني؟
هل العرجاني رجل «إسرائيل»؟
واجه اختيار العرجاني رئيساً للاتحاد انتقادات عدة، وسط مخاوف من «اتساع نفوذه» في ظلّ دوره السابق، الذي قاد فيه «اتحاد قبائل سيناء»، خلال عمليات لمساندة القوات المسلحة المصرية ضدّ التنظيمات الإرهابية بعد عام 2014.
وهناك آراء متعارضة حول شخصية الرجل… فمن ناحية، يُنظر إليه كشخصية وطنية ساهمت في تنمية سيناء ودعم الدولة المصرية في مواجهة «الإرهاب» وإعادة السيطرة الأمنية عليها. ومن ناحية أخرى، هناك من يشير إلى ماضيه المتعلق بالتهريب والعلاقات المعقدة مع الأمن المصري.
وتُظهر هذه الآراء المتباينة تعقيدات الوضع في سيناء والدور الذي يلعبه الرجل كشخصية مؤثرة في المنطقة.
وثمة علامات استفهام حول ابراهيم العرجاني ومصدر ثروته والفترة التي قضاها في السجن، إبان عهد الرئيس الراحل حسني مبارك.
كما اتهم بالمتاجرة بمعاناة فلسطين وغزة، واستغلال مأساتهم، حيث ذكر تحقيق للتايمز البريطانية أنّ شركة «هلا» التي يملكها العرجاني، ربما جنت 88 مليون دولار منذ بداية مارس/ آذار، من إجلاء أكثر من 20 ألف شخص فلسطيني. وقالت الصحيفة إنّ الشركة «التي تحتكر فعلياً النقل التجاري عبر معبر رفح، تفرض رسوماً على البالغين تصل إلى 5000 دولار، والذين تقلّ أعمارهم عن 16 عاماً تبلغ 2500 دولار»، ونقلت تقارير انّ الشركة تقاضت الملايين من الدولارات من أهالي قطاع غزة الساعين للهرب من الحرب «الإسرائيلية» عبر الأراضي المصرية.
وتتولى «هلا» الإدارة الحصرية لجميع العقود المتعلقة بجهود إعادة الإعمار في غزة، وفق تقرير لـ «هيومن رايتس ووتش» نشر في 14 يونيو/ حزيران 2022.
وفرض هذا الرجل مع كلّ هذا الجدل حوله، يفتح المجال للسؤال عن علاقته بواشنطن وما إذا كان الدور الموكل إليه يجري بموافقة ورعاية أميركية لغايات ومصالح «إسرائيلية» قد تظهر لاحقاً.
تقويض دور القبائل
في نقل السلاح لحماس
توقيت تشكيل اتحاد للقبائل ينطوي على شبهة تقويض دور القبائل المصرية التي تسكن سيناء منذ مئات السنوات، والتي نقل حسب مصادر أنها تساعد حماس في نقل السلاح، ويبدو انّ مصر تعمل على مصادرة قرار هذه القبائل الذاتي من خلال هذا الاتحاد الذي بحسب البعض يرسّخ فكرة الانفصال العشائري بدلاً من الاندماج الوطني، وهو ما يهدّد السلام والاستقرار بالبلاد، كما أنّ الخطوة عدّها البعض خرقاً للدستور المصري في مادته رقم 200 والتي تحظر تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية، وقد ذهب البعض الآخر الى توصيف على الاتحاد على انه جمعية أهلية تعمل في إطار القانون.
ويأتي توقيت الإعلان أيضاً بعد صفقة «رأس الحكمة» التي جرت قبل شهرين بتمويل الإمارات، والتي تقوم على تطوير وتنمية مدينة «رأس الحكمة» التابعة إدارياً لمحافظة مطروح شمال غرب مصر والتي كانت ميناء لرسو السفن، وذلك باستثمارات تقدّر بنحو 150 مليار دولار، تتضمّن 35 مليار دولار استثماراً أجنبياً مباشراً للحكومة المصرية خلال شهرين، منها 11 مليار دولار إسقاط ديون، وينص العقد على أن تحصل مصر على 35% من إجمالي أرباح المشروع.
ومع عدم توافر أيّ معلومة تشير الى ارتباط العرجاني بواشنطن، إلا انّ نفوذه الواسع في الدولة المصرية، وإقدامه على إجلاء الآلاف من الفلسطينيين، واللعب على وتر القبائل المصرية وإشعال الفتنة، عوامل تثير الريبة وتلتقي جميعها على تعبيد الطريق لعدد من المخططات «الإسرائيلية» التي تتواجد الآن على معبر رفح، ومن أبرز أهدافها تهجير الفلسطينيين والقضاء على أيّ منفذ لتسليح حماس.