أولى

مسارات الحرب… طريق من اتجاه واحد

‭}‬ سعادة مصطفى أرشيد*
ذهب كثير من التقديرات إلى أن الحشد العسكري والسياسي (الإسرائيلي) لمعركة رفح ليس إلا مبالغات وتهويشات إعلامية، فالمعركة في النهاية لن تحصل اذ ان الإدارة الأميركية تعارضها بشدة، وتهدّد بتجميد الإمدادات العسكرية للجيش (الإسرائيلي) في حال أصرّ قادته على الشروع في المعركة، وأن المفاوضات الجارية في الدوحة والتي يُشرف عليها وليم بيرنز مدير وكالة المخابرات الأميركيةcia) ) تجري على قدم وساق وتسير بشكل مرضٍ وسوف تصل إلى وقف الحرب. هذا في حين كان تسريبات الأخبار العبرية تتحدّث عن اجتماعات عسكرية متواصلة بين الضباط (الإسرائيليين) ونظرائهم الأميركيين لترتيب تفاصيل المعركة ورسم خططها.
كان الفشل المتوقع لمشروع التهدئة القطري – المصري في الأسبوع الماضي وكأنه إطلاق صفارة الانطلاق نحو معركة رفح والتي رفع (الإسرائيلي) من توقعاته وتوصيفاته لها باعتبارها أم المعارك والجولة الفاصلة والنهائية في الحرب والتي سوف تحقق أهدافه بسحق المقاومة والعثور على الأسرى.
منذ اللحظة الأولى لبدء المعركة بدا وكأن الحرب قد عادت من جديد، فرفح لم تشارك طيلة شهور الحرب بالمعارك ولا حتى بإطلاق رصاصة واحدة، وقد كان ذلك بقرار صائب وحكيم من قيادة المقاومة، لذلك كانت ذخائرها ومقاتلوها بكامل عتادهم وعددهم، وقاتلوا بتكتيكات مختلفة عن تلك التي كانت متبعة في معارك سابقة، مما أربك العدو وأوقع به أفدح الخسائر التي لم يستطع أن يُخفيها. لقد كان السلاح والعتاد والرجال والخطط هو الذخر القتاليّ الذي احتفظت به قيادة المقاومة لمثل هذا اليوم. وفي الوقت ذاته عادت المقاومة إلى إشغال (الإسرائيليين) وقتالهم في جباليا شمال غزة وفي حي الزيتون وفي كل مكان من القطاع، فيما يقول (الإسرائيلي) إنه سيعود للقتال في خان يونس حيث تقول مصادره الأمنية إن الشيخ السنوار قد غادر رفح وعاد إليها.
في الأيام الثلاثة الماضية ظهر بأن الموقف الأميركي بيد الرئيس بايدن وطاقم البيت الأبيض، لا بيد مدير وكالة المخابرات أو وزارة الخارجية الأميركية وأن تصريحات الرئيس الأميركي الرافضة لمعركة رفح وتهديده بتجميد المساعدات العسكرية ليست إلا كلام في كلام، وفي محاولة منه لضبط الحراك الجامعي والطلابي ذي التأثير الكبير على السياسة الأميركيّة، ولكنه كان سرعان ما كان ينقلب إلى النقيض كاشفاً عن حقيقة الموقف وعن الدعم المطلق لدولة الاحتلال. فالهدف ثابت وهو سحق المقاومة وإطلاق سراح الأسرى وإعادة تشكيل القطاع بعدد أقل من السكان وبما يضمن عدم وجود أي تحدٍّ منهم لمستوطنات غلاف غزة. وهذا محل إجماع الطرفين – الشريكين. وإن حصل خلاف فهو حول الأولويات والتفاصيل والوسائل ليس إلا.
ترى الحكومة (الإسرائيلية) ومعها قسم كبير من الجيش والأمن أن لا مجال لتحقيق أهداف الحرب إلا بالقتل والحرق والقوة المفرطة، فيما يرى آخرون في (إسرائيل) ومعهم الإدارة الأميركية الحالية بوجوب استعمال مقدار عالٍ من القوة لكن المنضبطة والمترافقة مع وسائل أخرى لتحقيق الأهداف ذاتها، وبالتعاون مع حلفائهم الإقليميين، أي العرب الإبراهيميين أولاً والأتراك ثانياً.
في العودة إلى المواقف الأميركية يمكن اختيار ثلاثة شواهد منها توضح حقيقة الموقف. الشاهد الأول في خطاب الرئيس بايدن قبل خمسة أيام الذي قال فيه إن الشعب اليهوديّ قد تعرّض إلى محرقتين في العصور الحديثة، الأولى على يد ألمانيا النازية والثانية في السابع من تشرين الأول على يد المقاومة الفلسطينية، ولم يرَ أو يسمع بـ 35,000 شهيد فلسطيني من المدنيين. وقال إن على الدولة والشعب في الولايات المتحدة واجب حماية 2% من اليهود الذين يحملون التابعية الأميركية، ولم يرَ من واجب لحماية أي مجموعة قومية أو اثنية أخرى وحتى الهنود الحمر أصحاب البلاد الأصليين. الشاهد الثاني هو في نقاشات الكونغرس حول إذا كان ما حصل في غزة هو جريمة إبادة جماعية ومخالفة صريحة للقانون الدولي الإنساني، الامر الذي لم يره الكونغرس وإنما رأى أن ثمة مخالفات عابرة وأنه يثق في أن (إسرائيل) ستحقق فيها وتتخذ ما يلزم من إجراءات. والشاهد الثالث هو في تصريحات جاك سوليفان مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض الذي قال: لن نتخلى عن (إسرائيل) التي تخوض حرباً للدفاع عن نفسها، وأن المقاومة الفلسطينية هي المعتدية لا على (إسرائيل) فقط وإنما هي على غزة، فهي مَن تسبّب بكل عمليات القتل والهدم هناك ويجب تحميلها المسؤولية عن ذلك، وأكد أن لا دلائل حول وجود إبادة جماعية او جرائم حرب وانما يمكن ملاحظة بعض المخالفات العابرة كالتي تجري في كل الحروب.
ولعله من الضروري الإشارة إلى ان للشراكة (الإسرائيلية) – الأميركية ملحقات وملاحق تجدر ملاحظتها، منها الدور المنافق لأوروبا الغربية وخاصة في السياسة الإنجليزية والألمانية أكثر من غيرها من دول الغرب، ثم في دول النظام العربي المتهالك خاصة تلك التي ترى في المقاومة نقيضها لذلك فهي تريد سحقها، ولكن على يد (الإسرائيلي) وبمشاركتها الصامتة طالما استطاعت الصمت، ولكن مع الاستعداد للانتقال للمشاركة العلنية والمباشرة.
أما في غزة فإن (الإسرائيلي) وشركاءه قد أوصلوا رسالة لغزة وللضفة الغربية، مفادها بأن الجميع مطلوب رأسه وأن لا فرق بين مدني وعسكري، مقاوم أو مفاوض أو مساوم أو مهادن، وبصمات الرسالة ليست واضحة في غزة فقط وإنما في الضفة الغربية التي لم تحُل سياسات التطبيع والتنسيق مع الاحتلال دون اقتحامها وانتهاكها، وبهذا لم يتركوا أمام الشعب الفلسطيني من خيار إلا الصمود والصبر والقتال في معركة دفاعية قادرة على تحقيق أكبر الخسائر في العدو وتحقيق أكثر المكاسب لغزة وللشعب الفلسطيني مقابل صبره غير المحدود والمساوية لحجم تضحياته وخسائره.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى