في ضوء المتغيّرات الأخيرة هل يتمّ وقف النار في غزة؟
} د. حسن مرهج*
بصرف النظر عن طبيعة الحرب في غزة ومسارها وإلى أين يمكن أن تصل، وبعيداً عن السجالات السياسية ومصالح كلّ طرف، إلا أنّ الهدنة وتوقف الحرب، بات مطلباً إنسانياً وضرورياً لكلّ الأطراف، وفي السياق الإقليمي والدولي فإنّ وقف الحرب يُعدّ فرصة لمراجعة الحسابات، وتقييم الاستراتيجيات لكلّ طرف أيضاً سواء في داخل فلسطين وحتى الأطراف والقوى الإقليمية والدولية.
ضمن هذا السياق، فإنّ البحث عن محددات لإقرار هدنة طويلة الأمد، وربطاً بذلك لجهة ايقاف الحرب، فإنّ كلّ التطورات والمتغيّرات تفترض مقاربة منطقية تعتمد على الواقعية السياسية، ونتيجة لذلك يمكن القول بأنّ إقرار الهدنة قد يكون أمراً صعب المنال، فلا حماس بصدد تقديم أيّ تنازلات، وكذلك «إسرائيل» التي تبحث عن نصر يحقق لها غايات سياسية وعسكرية، وتُعيد ترميم صورتها التي اهتزت منذ السابع من تشرين الأول العام الماضي.
بين هذا وذاك، ثمة تعقيدات تُظلّل مسار المفاوضات. هذه التعقيدات وإنْ لم يتمّ تظهيرها للإعلام بشكل مباشر، إلا أنه من الواضح أنّ هناك تعقيدات تمنع التوصل إلى اتفاق حول وقف إطلاق النار وإقرار هدنة، ومن ضمن ذلك فإنّ الدول راعية المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، فهي غير قادرة على إقناع حماس بضرورة تغيّر الموقف أو تغيير مطالبها، وعلى الجانب الآخر فإنّ «إسرائيل» تستمرّ في الحرب مدعومة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإنّ الضغوط التي تمارس على حماس و»إسرائيل» لا تجد فاعلية وتأثير تحقق معادلة ترضي جميع الأطراف.
موافقة حماس على المبادرة المصرية لجهة وقف إطلاق النار، لم تُغيّر مشهد الحرب في غزة، فـ «إسرائيل» لا تزال تمارس ألعابها على جانبي طريق المفاوضات، وهي بذلك تعمل جاهدة على إطالة أمد الحرب، حتى تحقيق مطالبها المعلنة وغير المعلنة، إلا أنّ ذلك لم يكن ليتمّ، لولا تواطؤ الولايات المتحدة، لا سيما أنّ الأخيرة وعبر لسان جو بايدن أكد أنّ الولايات المتحدة لا تزال معنية بـ «أمن إسرائيل» بصرف النظر عن الخلافات البسيطة بين البلدين، وهذا يُعدّ ضوءاً أخضر أميركياً لاستمرار نتنياهو في حربه.
الأمر المهمّ والذي لا بدّ من التنويه إليه، أنه حتى لم تمّ إقرار الهدنة ووقف إطلاق النار، فإنّ ذلك يعتمد على عدة عوامل مثل التزام كلا الطرفين بالاتفاقات وعدم تصاعد التوترات والاشتباكات، والأهمّ في هذا الإطار مواصلة الجهود الدولية للحفاظ على الهدنة، وإيجاد حلّ سياسي مستدام للقضية الفلسطينية.
الواضح أنّ نتنياهو يحاول إطالة أمد الحرب لغايتين، الأولى قد يلجأ نتنياهو إلى ما يمكن تسميته ضمان مستقبله السياسي شريطة إنهاء الحرب، والثاني من أجل التمسك بورقة إعادة ترميم الهيبة الإسرائيلية التي شابتها الكثير من الهواجس إبان هجمات السابع من تشرين الأول العام الماضي، وبالتالي فإنّ نتنياهو باعتقادي يحاول تأخير نهاية الحرب لتحقيق أهدافه، ومن جانب آخر فإنّ الهدنة هي في المشهد العام باتت مطلب الجميع، إذ لا يمكن الاستمرار في الحرب ضمن هذه الشروط وهذا المناخ الإقليمي القابل للإنفجار في أيّ لحظة.
ما نريد التأكيد عليه أنّ الوساطات القطرية والمصرية حتى الآن لم تحقق أيّ اختراق، وكان واضحاً منذ لحظة إعلان حماس موافقتها على الهدنة، أنّ نتنياهو سيمضي إلى النهاية، وبمضيّه إلى عمق الحرب فإنّ هذا الأمر بات يهدّد العلاقات «الإسرائيلية» مع مصر والأردن، اللتين وجدتا نفسيهما في موقف غاية في الصعوبة، وثمة تهديدات تطال أمنهم القومي جراء استمرار الحرب.
نتنياهو أكد خلال مقابلة صحافية مع الإعلامي الأميركي الدكتور فيل، أنه يجب أن تكون هناك إدارة مدنية في غزة، ربما بمساعدة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وآخرين يريدون الاستقرار والسلام، وهذا يشرح في العمق أهداف نتنياهو حيال غزة وعموم فلسطين، وهذا ما يدلل بطريقة غير مباشرة أنّ كلّ الجهود الرامية لتحقيق وقف إطلاق النار، لن تُجدي نفعاً، في ظلّ تصلب «إسرائيلي» ودعم أميركي غربي للأهداف الإسرائيلية، وبالتالي فإنّ أيّ مسار تفاوضي لن يُكتب له النجاح في هذا التوقيت.
ما نريد قوله صراحة، إنّ بنيامين نتنياهو، يدفع باتجاه المزيد من التعقيدات المؤطرة لمسار الحرب، وضمن ذلك فإنّ الهدنة لن ترى النور قريباً، وما أكده نتنياهو حيال إدارة مدينة في غزة بمساعدة الإمارات والسعودية، هو بالضبط ما تسعى إليه «إسرائيل»، لكن يبقى التساؤل في ظلّ هذا المشهد الضبابي، هل توافق الولايات المتحدة على إدارة مدينة في قطاع غزة؟ وهل يكون ثمن وقف إطلاق النار تطبيع كامل سعودي «إسرائيلي»؟ هي تساؤلات لكنها بذات التوقيت سيناريوات قابلة للتحقق، في ظلّ الواقع الذي وصلت إليه التطورات في غزة، والأيام المقبلة ستكون حُبلى بالتطورات، لكن المخاض سيكون عسيراً.
*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية.