غانتس والقطبة المخفية
ناصر قنديل
– قبل أسابيع كان عضو مجلس الحرب في كيان الاحتلال بني غانتس، يرفض مناشدات المتظاهرين من عائلات الأسرى لمغادرة حكومة بنيامين نتنياهو، ويردّ بالقول إن الكيان في حالة حرب وإنه ليس مستعداً لمغادرة الحكومة في هذه الظروف. وفجأة يخرج غانتس محدداً مهلة لنتنياهو لتغيير الاتجاه على قاعدة الأولوية لاستعادة الأسرى وتجنب حرب وجودية طويلة. ويقول إنه ما لم يتحرر نتنياهو من متعصبي اليمين المتطرف فإن البقاء في الحكومة بعد الثامن من حزيران سوف يصبح مستحيلاً.
– غانتس لم يغادر في ثوابته السياسية التي ضمنها لبيانه الأرضية السياسية المشتركة، سواء في عدم التطرق لحل الدولتين، أو في الإصرار على القضاء على حركة حماس، لكنه أضاف الى هذه البنود دعوة لخطة تحقق النجاح في التطبيع مع السعودية وفي عودة مهجري الشمال الى مستوطناتهم قبل أول أيلول المقبل، موعد بدء الموسم الدراسي، بحيث بدت أولوياته الفعلية في بعض الشعارات، وبدت شعارات أخرى تفادياً لمواجهة اتهامات التخوين، والحرص على الظهور بمظهر المحارب، أما الشعارات الحقيقية فكان سهلاً اكتشافُ أنها الاعتراف بفشل الحرب والحاجة لوقفها بصفقة.
– الأكيد أن أحد أسباب تبدل موقف بني غانتس هو ما تشهده جبهتا غزة وشمال فلسطين المحتلة، من فشل عسكري يعرف غانتس من موقع كرئيس سابق للأركان وقائد ميداني أن ظروف جيش الاحتلال لا تسمح في ظلها باسترداد زمام المبادرة وتعديل الاتجاه، ذلك محور المقاومة بعد الرد الايراني الرادع تحرّر من عبء القلق من الانزلاق الى الحرب الكبرى، ففتح الباب أمام الضربات المؤلمة لجيش الاحتلال في غزة وشمال فلسطين. وبعد قبول حماس العرض الذي قدمه الوسطاء تحرّر من ثلاث عقد. عقدة عدم تحمل مسؤولية تقديم ذريعة لحرب الإبادة بدافع الانتقام، وعقدة مراعاة الوسطاء بإبداء المرونة التفاوضية لا التصعيد العسكري، وعقدة عدم خسارة التأييد في الرأي العام العالمي، وقد ترافق قبول العرض التفاوضي بإعلان نتنياهو عن السير بمعركة رفح بعكس كل التمنيات والتحذيرات. هذا إضافة لما تبين لمحور المقاومة من محدودية تأثير ملف الأسرى في جلب حكومة نتنياهو الى التفاوض، ومحدودية هوامش الوسطاء في قول كلمة فصل عندما ترفض حكومة نتنياهو الحل التفاوضي وتصرّ على الحرب، بحيث صار وقف الحرب مرهوناً بصراخ الجيش وتفاقم تداعيات الفشل الى حد التسبّب بالانهيار في صفوفه.
– لكن الأكيد أكثر أن بني غانتس قرأ تأثير الفشل العسكري في انقلاب الرأي العام، كما قالت استطلاعات الرأي. ففي نهاية آذار كان 57% يؤيدون الحرب، مقارنة بـ74% نهاية كانون الأول، لكن الأغلبية لا تزال في صف استمرار الحرب، رغم وجود ثلث الرأي العام مع أولوية صفقة تعيد الأسرى، والأغلبية هي ذاتها التي ترشحه لترؤس الحكومة بـ 54% من الأصوات مقابل 38% منهم يؤيدون بقاء نتنياهو رئيساً للحكومة. فكانت الحصيلة أن يقرر غانتس البقاء في الحكومة حيث الأغلبية، أما وأن الأغلبية قد انقلبت وصار 54% يؤيدون أولوية صفقة تعيد الأسرى، مقابل 38% يؤيدون استمرار الحرب، فهذا يعني أن ذات الـ 54% الذين كانوا يريدون رئيساً للحكومة باتوا يؤيدون اولوية الصفقة لا الحرب، وقد انخفضت شعبيته الى 42% لأنه لا يزال في الحكومة، وانخفض مؤيدو الحرب إلى 38% هم أنفسهم الـ 38% الذين يؤيدون بقاء نتنياهو رئيساً للحكومة، فقرر اللحاق بمناصريه لرئاسة الحكومة لاستعادتهم طالما أنهم لم يعودوا يؤيدون الحرب، وترجم دعواتهم لأولوية الصفقة في بيانه.
– قال بني غانتس إنه يمنح مهلة حتى 8 حزيران لنتنياهو قبل أن يستقيل، وإنه مستعد لتشكيل حكومة جديدة، وهو يحتاج كي يشكل حكومة الى خمسة نواب على الأقل يغادرون معسكر نتنياهو وينضمون إليه. وهذا يعني أن مفاوضات جرت بينه وبين كتلة من النواب المؤيدين للحكومة، ربما يكون يوآف غالانت وعدد من نواب الليكود منهم، وانتهى الرأي إلى إعطاء مهلة لنتنياهو لتغيير الاتجاه وأفهماه أن حكومته معرضة للسقوط وأن حكومة برئاسة غانتس باتت ممكنة واقعياً، وأن أمام نتنياهو فرصة البقاء رئيساً لحكومة بدون اليمين المتطرف تملك غالبية كبرى في الكنيست، لكن على قاعدة أولوية الصفقة لا الحرب.
– عملياً غانتس يمثل بمواقفه أهم شهادة على الفشل العسكري لجيش الاحتلال، كما يمثل على أولى تداعيات انقلاب الرأي العام في غير صالح استمرار الحرب، ونتنياهو المتمسك بالسلطة والمدرك لانقلابات الرأي العام، سوف يكتشف القطبة المخفية، وربما يبدأ بمفاوضات مع غانتس لرسم خطة موحّدة يطرحانها على مجلس الحرب ولو أدّت إلى خروج اليمين المتطرف، الذي قد تحول انتهازيّة إلى عدم الخروج أيضاً.