17 أيار حين يصبح المستحيل ممكناً
} معن بشور
حين وافق مجلس النواب اللبناني في 17 أيار 1983، ما عدا النائبين الوطنيين الشجاعين زاهر الخطيب ونجاح واكيم، وتغيّب نواب شرفاء عن الجلسة أيضاً، على اتفاق رعاه وزير خارجية أميركا آنذاك جورج شولتز وعُرف بعد ذلك باتفاق “السابع عشر من أيار”، ظنّ اللبنانيون ومعهم الكثير من أشقائهم العرب انّ لبنان قد دخل العصر الإسرائيلي وانّ العدو قد استكمل غزوَه العسكري في حزيران (يونيو) بغزو سياسي شامل.
كان كلّ شيء يومها مظلماً، وكانت مواقف العديد من السياسيين والأحزاب تتراوح بين الحماسة لاتفاق الإذعان او الصمت إزاءه، لولا أسماء بارزة كالرئيسين الراحلين سليمان فرنجية ورشيد كرامي (رحمهما الله)، ومعهما الرئيس نبيه بري والأستاذ وليد جنبلاط وعدد من الأحزاب الوطنية والقومية، ومجموعة من الشباب الإسلامي التوجه الذي بات معروفاً باسم حزب الله، ليلعب دوراً كبيراً، كنا قد توقعناه له منذ ان كانت له معسكرات تدريب في بعلبك وبدأ بتنفيذ عمليات نوعية ضدّ الاحتلال وداعميه…
ورغم انّ فارق القوة كان شاسعاً بين قوى 17 أيار/ مايو المحلية والخارجية، والقوى المعارضة والمعترضة على ذلك الاتفاق، الاّ انّ معركة إسقاط اتفاق 17 أيار بدأت منذ اليوم الأول في الضاحية الجنوبية بعد خطبة نارية من سماحة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (رحمه الله)، وتظاهرة استشهد فيها المجاهد علي نجدة، لتنتقل بعدها شرارة المواجهة الى حرب الجبل ومعركة الضاحية وانتفاضة السادس من شباط في بيروت التي أدّت الى اسقاط ذلك الاتفاق المشؤوم، وبدعم لا يُنكر من الجيش العربي السوري، بالإضافة الى أعداد كبيرة من المقاتلين الفلسطينيين، والى دعم مادي كبير من ليبيا يومها، دون ان ننسى دور الجمهورية الإسلامية في إيران الكبير أيضاً في دعم تلك المقاومة.
كان إسقاط الاتفاق المشؤوم جزءاً من منجزات المقاومة الوطنية والإسلامية التي انطلقت من بيروت بعد دخول القوات الصهيونية اليها في 14 أيلول/ سبتمبر 1982، وكان إسقاط الاتفاق أيضاً بداية مرحلة من الانسحابات “الإسرائيلية” المتدرّجة من ساحل الشوف ثم من صيدا والزهراني والنبطية وصور وصولاً الى التحرير في مثل هذه الأيام من عام 2000.
أذهلت انتصارات لبنان، الشعب والمقاومة، كثيرين واستغربوا كيف يمكن لقوى شعبية محدودة الإمكانيات ان تهزم قوة إقليمية كبيرة في المنطقة مدعومة من القوة الأكبر في العالم… وأن تسقط اتفاقاً للتطبيع، بل للهيمنة الكاملة للعدو على لبنان، فيما الصمت بقيَ مطبقاً على العديد من الحكومات العربية والإسلامية.
الذهول نفسه تضاعف منذ 225 يوماً، أيّ منذ بداية ملحمة طوفان الأقصى، فيما العالم كله يتابع بطولات المقاومين في غزة وعموم فلسطين وأكناف فلسطين والتي أدخلت العدو الصهيوني وحليفه في واشنطن وعواصم الأطلسي في المأزق تلو المأزق، والارتباك تلو الارتباك.
وإذا كانت المقاومة بوحدة قواها وساحاتها هي التي تفسّر هذا الذهول… فإنّ الدرس المستفاد من هذه المسيرة بسيط جداً، هو انّ مع إرادة الشعوب يصبح المستحيل ممكناً.