ثلاث تطورات وراء عودة واشنطن وتل أبيب إلى المسارعة لتحريك عجلة المفاوضات
حسن حردان
تحركت فجأة كلّ من إدارة بايدن، وحكومة الحرب الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو لأجل إعادة الحياة الى المفاوضات.. فأعلنت واشنطن ان مدير “سي أي آي” وليم بيرنز توجه إلى أوروبا للقاء مسؤول الموساد الإسرائيلي، وتحدثت هيئة البث الإسرائيلية عن إعطاء مجلس الحرب الوفد الإسرائيلي المفاوض صلاحيات للتوصل إلى اتفاق، واكدت انّ وليم بيرنز يصيغ الخطوط العريضة لاتفاق لوقف مستدام لإطلاق النار..
هذا التطور طرح سؤالاً سريعاً، ما الذي جرى حتى سارعت كل من واشنطن وتل أبيب إلى العمل على أحياء المفاوضات، فيما هجوم جيش الاحتلال في رفح لم ينجز ما ذهب اليه بعد؟
إنّ التفسير الوحيد لهذا التوجه الأميركي الإسرائيلي، بعد أن كان بنيامين نتنياهو رفض الاتفاق الذي أنجزه الوسطاء بموافقة واشنطن ووافقت عليه حركة حماس.. إنما يكمن في جملة من التطورات الميدانية والتحوّلات الدولية، التي باتت تضغط بقوة على حكومة العدو وواشنطن، ولم يعد بالإمكان القفز فوقها وتجاهلها.. وهذه التطورات تتجلى في الآتي:
أولاً، استمرار فشل جيش الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق أي هدف من أهداف الحرب، بعد عودته بقرار من نتنياهو، إلى اجتياح بعض المناطق في شمال غزة للقضاء على المقاومة فيها لا سيما في جباليا والزيتون، والقيام بتنفيذ تهديده بشن الهجوم في رفح للقضاء على كتائب القسام واستعادة الأسرى كما أعلن نتنياهو.. غير انه بعد مرور نحو أسبوعين، كانت النتائج مخيّبة لآمال نتنياهو فيما جيش الاحتلال مُني بخسائر فادحة بالأرواح والعتاد، نتيجة المقاومة الضارية التي واجهته، وأوقعته في كمائن وأفخاخ قاتلة، مما جعله يغرق مجدداً في مستنقع من الاستنزاف لا يقوى على تحمّل البقاء فيه طويلاً، وغير قادر في نفس الوقت على تحقيق أيّ إنجاز او صورة نصر يستطيع من خلالها ان يبرّر للصهاينة الخسائر التي تعرّض لها..
ثانياً، تصاعد الانتقادات والاتهامات ضدّ نتنياهو في الداخل الاسرائيلي، حتى ممن يُعتبرون من فريقه، مثل رئيس “مجلس الأمن القومي” تساحي هنغبي الذي أقرّ بأنّ “إسرائيل لم تحقق ايّ هدف من الأهداف الاستراتيجية لحربها على قطاع غزة، وانّ الجيش الإسرائيلي لم يقض على حماس ولم يوفر الشروط لإعادة الأسرى ولم يُعِد سكان غلاف غزة إلى منازلهم بأمان”.
ويأتي كلام هنغبي بعد المؤتمر الصحافي لوزير الحرب بني غانتس الذي وجه انتقادات قوية لنتنياهو ومنحه مهلة حتى 8 الشهر المقبل للردّ على طلباته بشأن وضع استراتيجية سياسية للحرب في غزة، وأولوية التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى، الأمر الذي عزز موقف التيار المتنامي الذي يطالب بوقف الحرب وإنجاز صفقة لتبادل الأسرى..
ثالثاً، تزايد العزلة الدولية حول “إسرائيل”، واشتداد الضغوط عليها لوقف حرب الإبادة في غزة، وكان الأهمّ على هذا الصعيد ثلاثة تطورات أساسية وضعت “إسرائيل” في عزلة دولية متزايدة، وجعلها تخسر كلّ المكاسب التي كانت قد حققتها سابقاً في الساحة الدولية، وهذه التطورات تمثلت في ما يلي:
1 ـ قرار مدّعي عام محكمة الجنايات الدولية توجيه مذكرة اعتقال بحق كلّ من نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة…
2 ـ قرار ثلاث دول أوروبية الاعتراف بدولة فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وهو القرار الذي شكل خرقاً في موقف الاتحاد الأوروبي التقليدي الداعم لـ “إسرائيل”، الأمر الذي يدلّل على أنّ المناخ الأوروبي بدأ بالتبدل ازاء الموقف من “إسرائيل”، وان دولا أخرى قد تتجه لاتخاذ نفس الموقف، على خلفية تنامي ضغط الرأي العام الناقم ضدّ حرب الإبادة الصهيونية ودعم الحكومات الغربية لـ “إسرائيل”؟
3 ـ قرار محكمة العدل الدولية مطالبة “إسرائيل” بوقف عملياتها العسكرية فوراً في رفح وفتح معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية، مما يجعل “إسرائيل”، في حال رفضت تنفيذ قرار المحكمة، دولة مارقة وخارجة على القانون الدولي ومتمرّدة على تنفيذ قرار المحكمة الدولية..
أمام هذه التطورات، بات هامش المناورة أمام حكومة نتنياهو ضيقاً جداً، فهي مطالبة داخلياً وخارجياً بوقف الحرب، وإلا ستصبح في مواجهة العالم، وواشنطن التي توفر لها الغطاء والحماية، ستكون في وضع أكثر حراجة دولياً ولدى الرأي العام الأميركي الساخط ضدّ سياسات الرئيس جو بايدن الداعمة لحرب الإبادة الصهيونية ومدّ “إسرائيل” بالسلاح لمواصلة هذه الحرب.. لا سيما أنّ معركة الانتخابات الرئاسية اقتربت، وباتت استطلاعات الرأي تؤشر إلى تراجع حظوظ بايدن بالفوز أمام منافسه دونالد ترامب.
من هنا يمكن تفسير أسباب هذا التحرك السريع من قبل واشنطن وتل أبيب لإعادة الحياة إلى عجلة المفاوضات والعمل أميركياً على بلورة صيغة لاتفاق وقف نار مستدام…
على أنّ هذا التحرك العاجل لوحظ أنه جاء في أعقاب قرار محكمة العدل الدولية، وقد يكون الهدف منه محاولة امتصاص النقمة الدولية المتزايدة، والتوصل إلى اتفاق مع حركة حماس لا يختلف كثيراً عن الاتفاق الذي وافقت عليه مؤخراً ورفضه نتنياهو، للقول انّ “إسرائيل” لم تخضع لقرار المحكمة الدولية…
في كل الأحوال إذا تمّ فعلاً إنجاز مثل هذا الاتفاق فإنه سيكون نتيجة لتنامي مأزق الفشل الإسرائيلي وتزايد العزلة الدولية من حول “إسرائيل” من ناحية، وتعزز موقف المقاومة في الميدان وعلى الصعيد الدولي من ناحية ثانية.. واذا ما ظلّ نتنياهو يناور ويرفض ايّ صيغة اتفاق تلبّي مطالب المقاومة الفلسطينية، فإنّ العزلة الدولية سوف تزداد من حول “إسرائيل”، وقد تصل الأخيرة إلى مرحلة لا تجد فيها دولة غربية قادرة على الدفاع عنها…