زيارة سوليفان إلى السعودية في المعنى والمضمون
د. حسن مرهج*
في إطار حالة اللا إستقرار في الشرق الأوسط، ثمة معايير جديدة تحاول الولايات المتحدة هندستها، بغية الخروج من المأزق الاستراتيجي في المنطقة، وعطفاً على الحرب في غزة، وضلوع الإدارة الأميركية في هذه الحرب مادياً ولوجستياً ودعماً سياسياً لا متناهٍ، فإنّ واشنطن تحاول من خلال ما سبق الإسراع في تأمين طوق الآمان لـ «إسرائيل»، وما كان مُحرّماً الحديث عنه حيال التطبيع «الإسرائيلي» السعودي، قد يصبح بعد حين حديثاً له أبعاد استراتيجية تُحقق من خلاله معايير شرق أوسطية جديدة.
ما سبق ترجمته زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان ونائبه لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك إلى السعودية و»إسرائيل». هذه الزيارة من حيث الشكل ربما تضع نهاية للحرب في فلسطين، وفي المضمون فإنّ ذلك يُعدّ مساراً لإعلان التطبيع الكامل بين الرياض و»تل أبيب».
ربطاً بما سبق، فإنّ الزيارة الأميركية الخاصة إلى الرياض، وضعت الخطوط العريضة لعدد من المسارات، يمكن إيجازها بالآتي:
أولاً، ثمة رغبة أميركية بوضع حدّ الحرب في غزة، واحتواء أيّ تصعيد محتمل يكون سبباً في إشعال النار في الشرق الأوسط، نتيجة لذلك فإنّ الولايات المتحدة تحاول وضع الرياض أمام واقع التطبيع، وربط السلام مع «إسرائيل» بإيقاف الحرب وتقديم ضمانات أمنية للرياض، فضلاً عن صفقات أسلحة متطورة.
ثانياً، بحسب تقارير صحافية فقد وافقت السعودية على مسودة شبه نهائية لاتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة تتضمّن تطبيع العلاقات مع «إسرائيل»، وسيكون الدور السعودي حاسماً في أيّ حلٍّ نهائي للصراع في غزة.
ثالثاً، لا شك بأنّ للسعودية مصلحة في تعزيز موقعها الاقليمي، بغية استمرار تفوقها على الصعد كافة، وهذا الأمر قد تحققه الولايات المتحدة وتضمن للسعودية هندسة مسارات المنطقة، بما يحقق رغباتها، وبما يضمن أمن «إسرائيل».
واقع الحال يؤكد بأنّ الحرب في غزة، قد أماطت اللثام عن عمق التوجهات الأميركية والسعودية في عموم المنطقة، وهنا لا بدّ من التوضيح بأنّ تسليم الملف الفلسطيني للرياض، يُجنّب الولايات المتحدة و»إسرائيل» أيّ تطورات جديدة في المشهد الفلسطيني، وقد تكون الأنباء التي سُرّبت في وقت سابق حيال إمكانية إدارة السعودية لقطاع غزة، قد تمّ الاتفاق عليها في زيارة جيك سوليفان ونائبه إلى السعودية، وهذا ما سيتمّ الكشف عنه في الأيام المقبلة.
بصرف النظر عما سبق، إلا أنّ زيارة جيك سوليفان الحالية للرياض و»تل أبيب»، تختلف عن سابقاتها في المعنى والمضمون. في المحطة الأولى في الرياض حمل سوليفان إلى ولي العهد السعودي نسخة أميركية شبه نهائية للاتفاقية الاستراتيجة السعودية – الأميركية التي جرى التفاوض عليها شهوراً طويلة بين الجانبين، وزيارة سوليفان قد تكون من أجل تعديلات تريدها السعودية، للوصول إلى الصيغة النهائية للاتفاق مع الولايات المتحدة.
الجانب الآخر، فإنّ زيارة سوليفان لكلّ من الرياض و»تل أبيب» مردّها إلى تداخل بعض بنود الاتفاقية مع حالة الحرب القائمة في قطاع غزة منذ أكثر من سبعة أشهر، وخصوصاً أنّ الحرب المذكورة وصلت حسب القراءة الدولية إلى نهاياتها مع مباشرة «إسرائيل» هجومها على مدينة رفح، وذلك بعدما ضغطت إدارة الرئيس جو بايدن على حكومة بنيامين نتنياهو من أجل إلغاء الاجتياح بصيغته التي طرحها نتنياهو، والاستعاضة عنه بتوغلات برية متدرّجة وبمستوى عنف أقلّ من الذي اتسمت به التوغلات في الشمال والوسط. فإدارة بايدن لم تعد تقبل أن تستمر الاجتياحات بمستوى العنف والكثافة السابقة.
كلّ ما سبق يؤكد بأنّ المطلوب اليوم هو إنهاء الحرب في غزة، ومن ثم الانتقال إلى تفعيل السلام السعودي الإسرائيلي، والأهمّ تفعيل الإتفاق الأمني بين الرياض وواشنطن، فـ بعد ذلك سيبقى الصراع «الإسرائيلي» الفلسطيني معلقاً على جنبات الاتفاق السعودي ـ «الإسرائيلي»، والسعودي الأميركي؟
*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية