مقالات وآراء

الرئاسة وملامح التسوية المقبلة

‭}‬ نمر أبي ديب

على وقع خطوات الخماسية الدولية وما يستتبعها اليوم من جهود رئاسية لبنانية قامت وتقوم بها بعض الكتل النيابية، التي وجدت في متدرجات الفراغ الرئاسي مادة مدمرة لكيانية الدولة ومفككة أيضاً للمؤسسات الداخلية السياسية منها والأمنية والعسكرية كما الاقتصادية، إذ تشكِّل بيئة أكثر من حاضنة للفوضى السياسية التي بلغت مستويات متقدمة من إدارة العجز الرئاسي، وغياب المسؤولية الوطنية، في مراحل بحت استثنائية، تحتم على الجميع تعاطياً أكثر واقعية وأيضاً فاعلية، ما يجيز للقوى المعنية بالملف الرئاسي، تسجيل خطوات جدية وملموسة، يرتفع من خلالها الجميع فوق سقف المصالح الآنية، كما الأهداف الفئوية، والحزبية الضيقة، في مراحل مصيرية، تستجدي فيها المحاولات الهشة، حسّ المسؤولية الوطنية لدى البعض، والشروع في تسمية أو تبني مرشحين جديّين، في مواجهة رئيس تيار المردة النائب والوزير السابق سليمان فرنجية، الذي طرح على طاولات البحث السياسي معادلة «الرباعية الرئاسية»، التي دعا من خلالها «الأقطاب الموارنة» إلى الترشح والدخول إلى جلسة رئاسية منتجة، تمتلك على مستوى الطرح والمقاربة، فرصة انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية.
قد يكون الطرح الذي تقدّم به المرشح الرئاسي سليمان فرنجية مبادرة غير واقعية بالنسبة لقوى لبنانية تحديداً مارونية لا تتقبّل فكرة وصول فرنجية إلى سدة الرئاسة الأولى، لكنها في الحقيقة اختبار للأقطاب الموارنة الأربعة، اختبار يفترض أن تتقيَّد بـ نتائجه مجمل القوى الخارجية، الإقليمية منها وحتى الدولية، بغضّ النظر عن حجم الخرق الرئاسي الذي يمكن أن يسجَّل في الجلسة المفترضة، بالتالي ما تقدّم به فرنجية من تحريك سياسي لحالة «الركود الرئاسي»، التي يتربع على عرشها اليوم، فخامة الفراغ الاستثنائي.
ما تقدّم به فرنجية يقود إلى استبيان عددي، يوضح بأرقام رسمية برلمانية، حجم «التمثيل الوطني»، الذي يحظى به رئيس تيار المردة، إلى كل من رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، ورئيس حزب الكتائب سامي الجميّل.
في سياقٍ متَّصل، تحدثت استطلاعات رأي لبنانية عن نسب مئوية حصل عليها الأقطاب الموارنة الأربعة، نتيجة استبيان رأي، ودراسات مختلفة أُجريت في هذا الشأن، شملت التمثيل البرلماني، كما أنّ النسب المعلنة كشفت من حيث القوة الذاتية والقدرة التجييرية داخل البرلمان على حقائق رئاسية عديدة من بينها: من يطالب اليوم بانسحاب فرنجية عليه أن يؤمّن تقاطعاً برلمانياً على اسم من داخل الأقطاب أم من خارجهم تتوفر فيه معايير المواجهة الرئاسية، بمعنى آخر، يكون قد تخطى تمثيله البرلماني نسبة الـ 44 بالمئة، من مجمل تمثيل المجلس النيابي، وحتى اللحظة تعتبر تلك النسبة بعيدة عن متناول أحد من الصفين الثاني والثالث، وأيضاً من أقطاب الموارنة الثلاثة الأخرين (باسيل وجعجع والجميّل).
السؤال الذي فرض نفسه اليوم واقعاً استثنائياً في هذه المرحلة تمحور حول المغالاة السياسية التي ذهب إليها البعض في مطلب انسحاب فرنجية، لذا ضمن أيّ معايير برلمانية وحتى سياسية ووطنية، يُطلب من المرشح الأقوى برلمانياً الانسحاب، في حين لن يتمكن الأقطاب الثلاثة الآخرون من مجاراة فرنجية حتى لو تطلّب الأمر وحدة حال رئاسية تجمع كلّ من القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر وحزب الكتائب.
وسط غياب شبه كامل لمجمل خيوط وخطوط التسوية المقبلة، لبنان بمؤثراته الجنوبية (جبهة المساندة) جزء لا يتجزأ من أيّ بحث أو مبادرات إقليمية ودولية تتعلق بأمن المنطقة، وأيضاً بتسوياتها العسكرية كما السياسية، بالتالي التسوية الرئاسية التي ينتظرها بعض اللبنانيين، انعكاس سياسي لموازين قوى خارجية إقليمية ودولية بلغت على مستوى الخلاصة النهائية كما النتيجة مراحل الترجمة الكاملة لمؤثرات ومفاعيل لا يمكن فصلها تحت أيّ ظرف عن ساحات التجاذب اللبنانية.
التسوية الرئاسية تكريس سياسي لفعل انتصار ميداني تبدأ ترجمته العملية في ساحات المنطقة، ويفترض أن تنتهي في لبنان.
ما تقدّم يجيز في السياسة اللبنانية رهان القوى المعنية على متغيّرات إقليمية وأخرى دولية، يمكن أن تعدِّل في موازين القوى المشتركة التي يراها محور المقاومة لصالحه، ويراها المحور المقابل هكذا أيضاً، وهذا يدعم من حيث التكتيك السياسي فرضية الوقت الرئاسي الضائع، وسط اشتباك عالمي لم يبلغ فيه «المدى الميداني»، مرحلة تقديم التنازلات، ودخول الجميع نفق التسويات الكبرى…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى