نقاط على الحروف

ماذا تعني نظرية التقاء الأصولية الإسلامية والصهيونية؟

ناصر قنديل
– يروج بعض الكتاب المناوئين للمقاومة نظرية قوامها، أن إعطاء الطابع الديني الإسلامي للمواجهة مع المشروع الصهيوني يشكل خدمة لهذا المشروع بتحويل الصراع إلى حرب دينية بين المسلمين واليهود، ويمنح لتماثل المنطلق وهو الدين الحجة للعدو للتمسك بفعل الشيء نفسه، وأن العالم الواقف خارج هذا الاصطفاف الديني غير معني بمواجهة بين أتباع الدينين، وأن مسيحيي العالم الذين يمثلهم الغرب يجدون أنفسهم في موقع التفهم للمشروع الصهيوني المدافع عن اليهود في مواجهة خطر الكثرة الإسلامية، فتخسر القضية الفلسطينية فرصتها بربح معركة الرأي العام العالمي، هذا إضافة لخسارة الكثير من العرب حكاماً وشعوباً من الذين يخشون تهديد الإسلام السياسي لحكوماتهم أو لنمط العيش في بلادهم. وتصل هذه النظرية إلى القول إن الإسلام السياسي هو حليف موضوعي للصهيونية، وليس هو العدو الذي على الصهيونية أن تخشاه.
– في واقع الحال هذه النظرية مجرد ذرائعية ثقافية لموقف سياسي، داعم ضمناً للمواقف الغربية والعربية المتفرجة على المذابح والمحارق التي يقوم بها جيش الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني. وهي هيكل نظري هش مبني على التلفيق لصناعة خداع بصريّ بلعب الكلام وتشابه المفردات، وتعالوا ندقق في عمق الأشياء لنكتشف الحقائق الدقيقة، فهل نحن أمام مشروع أصولية إسلامية تمثله حركات المقاومة، يريد بناء دولة خلافة مثلاً، أم أن كل حركات المقاومة تؤكد هويتها كحركة تحرر وطني تريد تحرير بلدها وليس أكثر؟ لكن ليس أقل أيضاً، من الاحتلال الصهيوني والهيمنة الأجنبية، وتريده وطناً لكل أبنائه على قدم المساواة، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين ام يهود أم علمانيين ولا دينيين، وتريد لشكل نظام الحكم أن يتقرر وفق إرادة هذا الشعب بمكوناته بصورة تضمن لها حرياتها الشخصية والاجتماعية ومشاركتها في الحياة العامة. والهوية الإسلامية لهذه الحركات هي تعبير طبيعي عن هوية المنطقة، وتاريخها وثقافتها وهويتها الحضارية، كما هي الكونفوشية حاضرة في أدبيات الحزب الشيوعي الصيني، والأرثوذكسية حاضرة في أدبيات روسيا الاتحادية.
– ما يمكن توصيفه بالحركات الأصولية هي تنظيمات القاعدة وداعش، التي تعلن في برامجها سعيها لدولة الخلافة، وتطبق ما تعتقده الشريعة على كل الذين يقيمون في المناطق التي يصل إليها سلاحها، ولا تجد مكاناً لمسلم يخالفها الاعتقاد، فكيف لمسيحي أو سواه؟ وساحات عمل هذه الحركات هي العالم كله، تزرع العبوات وتقتل المدنيين، لكنها بالمناسبة لم تقتل صهيونياً واحداً، ولم يكن لها أثر في مواجهة جيش الاحتلال، بل إنها في العالم كله لم تتصرّف باعتبار سفاراته أهدافاً، ومن باب السجال يمكننا القول إن هذه الحركات هي من يصح فيها توصيف توأم الصهيونية، وكما قيل إن الحرب لا تنشأ بين ديمقراطيتين، فإن أصوليتين لا تتقاتلان، لكن هذا مجرد موقف للسجال.
– لدى المزيد من التدقيق، سوف نكتشف أن حركات المقاومة الإسلامية، لا تجمعها رؤية أيديولوجية واحدة بالمناسبة، من حركة حماس إلى حزب الله الى أنصار الله والمقاومة الإسلامية في العراق، بالرغم من التقائها تحت عنوان الإسلام كتعبير عن الهوية، وأنّها حركات تاريخية للتعبير عن تطلعات سكان البلاد الأصليين في مواجهة غزو استيطانيّ مدعوم من الغرب الاستعماريّ. والصراع بين هذه الحركات والصهيونية، ليس صراع أديان، بل صراع السكان الأصليين مع الاستعمار ومشروع الإحلال الاستيطاني وليس الاحتلال فقط، ولذلك لم تكن المواجهة بين الغزاة الأوروبيين البيض لأميركا الشمالية الذين حملوا لمشروعهم اسم المشروع الصهيوني ذاته وهو أرض الميعاد، حرباً بين الوثنية التي كانت ديانة السكان الأصليين والمسيحية التي كانت ديانة الغزاة الاستيطانيين.
– تعالوا ندقق ايضاً، هل فعلاً تمثل الصهيونية الأصولية اليهودية، والجواب سوف نجده بالتدقيق في هوية قادة الحركة الصهيونية من جهة، كي نكتشف أنهم كلهم علمانيون عند التأسيس وحتى مع بنيامين نتنياهو، والمظهر الدينيّ لديهم مجرد قشرة لخداع المتدينين، ثم من جهة مقابلة نكتشف أن الأصولية اليهودية النابعة من اعتماد اليهودية كعقيدة ترفض الصهيونية، وترى فيها لعنة على اليهود سوف تجلب الخراب عليهم. وبالمزيد من التدقيق أيضاً وأيضاً، نسأل من أين جاءت نظرية أن هذا التقابل بين الحركات المقاومة الاسلامية والمشروع الصهيوني سوف يؤدي إلى خسارة الغرب. فحكام الغرب وعلى رأسهم الرئيس الأميركي جو بايدن ومنافسه على الرئاسة دونالد ترامب وأركانهما، يعلنون أنهم صهاينة، وهذا إعلان ثابت وسابق أميركياً لظهور الحركات الإسلامية في الصف الأول، ويوم كانت الحركة الوطنية الفلسطينية بقيادة لادينية، كان قادة الغرب صهاينة ولا زالوا، أما الشارع الغربي والنخب الغربية والجيل الطالع في الغرب، فهل هناك من يستطيع الزعم أن القضية الفلسطينية عرفت تفهماً لعمق الحق فيها، كما هي اليوم، في ظل المقاومات الإسلامية، وهو ما لم يحدث في زمن المقاومات الوطنية؟
– الخلاصة أن هذه النظرية الملفقة والمبنية على تشابه الكلمات والتلاعب بالبصر والعقول بفعل الترادف، هي محاولة ثقافية لتقديم غطاء لمزاعم الحياد، على الطريقة التي كان يقولها الأميركيون لعملائهم أثناء الحرب الباردة، إذا وجدتم أنكم مضطرون لمهاجمتنا لمراعاة مزاج شعوبكم، فهاجموا الاتحاد السوفياتي معنا، ومن يجد نفسه مضطراً اليوم لمهاجمة كيان الاحتلال يجمع معه حركات المقاومة، مستنداً الى قالب مسبق الصنع معروف الوظيفة تماماً كقوالب الأحذية، مع فارق الاستخدام من تحت أم من فوق. وهذه النظرية بذلك أقرب لتكون مجرد حذاء رأسي.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى